المقالات

تقاعد أستاذ الجامعة

من المعروف أن عضو هيئة التدريس في الجامعة هو معلمٌ بالدرجة الأولى، وباحثٌ بالدرجة الثانية وكائنٌ مجتمعي ثالثًا؛ وذلك تمشيًا وانسجامًا مع رسالة الجامعة المتمثلة في مثَلث التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، فعمله يتمحور حول تلك الميادين الثلاثة يتفاعل معها تأثيرًا وتأثّرًا.
(١) فالبحث العلمي هو الذي يرفدُ، من وقتٍ لآخر، عمل أستاذ الجامعة بمستجدات دوريّة متمثلة فيما يقوم به من نشر علمي  أو تأليف كُتُبٍ أو الحصول على ابتكارات وبراءات اختراع؛ إضافة إلى تحرير الأبحاث وتحكيمها ومناقشة الرسائل العلمية، وتلك المستجدات هي ما تجعل عمل أستاذ الجامعة أكثرَ تجدّدًا وتشويقًا من كثير من الأعمال الأخرى كما تُلبسه تلك المستجدات دثارًا حيويًا متغيرًا ينأى به عن الرتابة والروتين المعهود في كثير من المهن.
(٢) أما التدريس في الجامعة – وهي مهمة أستاذ الجامعة الأساسية – فهو ما يصيّر عمله من أكثر الأعمال جماهيرية وتفاعليةً وتأثيرًا؛ نظرًا لأعداد المستهدفين من العملية التعليمية بالجامعة وهم طلبة الجامعة بجانب ما يخلقه ذلك المحيط الحيوي التفاعلي لدى أستاذ الجامعة من فضول معرفي ودافعية للاطلاع والبحث العلمي.
(٣) ويتحقق دور أستاذ الجامعة في خدمة المجتمع بقدر تمكُّنِه من الخروج الفعلي بخبراته ومبادراته خارج أسوار الجامعة وبقدر تفاعله مع محيطه المجتمعي بكافة قطاعاته، والانخراط في فعالياته والإسهام في حل مشكلاته والتعامل إيجابيًّا مع هواجسه وتطلعاته.
تلك الصورة العنكبوتية لعمل أستاذ الجامعة هي نتاج تفاعل تلك الميادين الثلاثة: التدريس، البحث العلمي، خدمة المجتمع، وهي في ظني ما يجعل تقاعده من الجامعة منعطفًا ثـقيلًا على نفسه، وإن تَظَاهَرْ البعض من أساتذة الجامعات بخلاف ذلك؛ لأنه بتقاعده ستنقطع صلتُه بتلك الميادين الثلاثة وإن بدرجات متفاوتة وما يترتب على ذلك الانقطاع من خُبُوِّ نشاطه العلمي وشغفه البحثي ذلك أن البيئة الأكاديمية بميادينها الثلاثة هي أكبر محفِّز للفضول المعرفي وأهم مولِّد للدافعية نحو البحث والاطلاع بما تثيره المناقشات مع زملائه وطلبته (وخاصة طلبة الدراسات العليا) من تساؤلات ومقترحات، وما تفرزه المنتديات والفعاليات العلمية من أُطروحات وموضوعات.
يصل عضو هيئة التدريس في الجامعات السعودية لسن التقاعد (دون سنّ الستين عامًا؛ لأن التقاعد يحتسب بالتاريخ الهجري!)، وهو غالبًا في أوج عطائه العلمي ونضجه الفكري وانضباطه المنهجي، وكما أنه من الصعب على أستاذ الجامعة مغادرتها للأسباب المذكورة آنفًا؛ فإن تفريط الجامعة في كفاءات علمية وقُدرات بحثية أشرَفَتْ الجامعة على تكوينهم الأكاديمي، وعَرَفَتْ مسيرتهم المهنية وإنتاجهم العلمي يُعدُّ خسرانًا لا مبرر له، الأمر الذي يُحتّم على وكالة وزارة التعليم لشؤون الجامعات الحد من ذلك الهدر العلمي؛ وذلك بالنظر في رفع سن تقاعد أعضاء هيئة التدريس في الجامعات ووضع آلية واضحة ومقنّنة تسمح باستمرار أستاذ الجامعة بعد تقاعده وتضمن الإفادة من خبراته في عمل الاستشارات والبحوث وتدريس المقررات، والإشراف على الرسائل العلمية ومناقشتها.
لقد تجاوزت الجامعات في كثير من دول العالم؛ لا سيما أوروبا وأمريكا، تلك المشكلة فمنحت أستاذ الجامعة عند تقاعده لقبًا شرفيًا Emeritus – دون التزام وظيفي أو مالي – يسمح له بالاستمرار بالعمل في أي جامعة يختارها ويستفيدُ من إمكاناتها العلمية، ويشارك في فعالياتها المختلفة وبالمقابل يُفيد هو الجامعة بخبرته الأكاديمية وسجله العلمي؛ وبهذا تتحقق مصلحة الطرفين.

‫3 تعليقات

  1. سعادة الأستاذ الدكتور
    أحمد الخماش.. أبا عبد العزيز

    أسعد الله قلبك وقلمك..
    نرجو أن تصل هذه الكلمات الرصينة إلى المعنيين في الوزارة..
    فهو نعم الاقتراح..
    أما أنتم.. فقامة عظيمة نعتز بها.
    ولكم الفضل بعد الله في تشجيعي منذ كنا في الثانوية.. ولن ننسى فضلكم علينا أبدا..

    محبك
    موسى بن محمد آل هجاد

  2. كثير من المؤتمرات التي حضرتها يدير بعض حلساتها أناس في الثمانين من أعمارهم،،،، السؤال هل هناك فرق بين تقاعد موظفي الشركات ولين تقاعد أساتذة الجامعات أو مدرسي التعليم العام الكل له خبرات في مجال عمله وأكيد أنه لو استمر سيضيف لمكان عمله

  3. كلام رائع وصدق ! واضيف ان تقاعد الاستاذ المتميز هو خسارة للجامعة اكثر من خسارة الاستاذ ! جزى الله خيرا الاستاذ الدكتور احمد الخماش الزهراني كاتب المقالة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى