المقالات

علي عبد الكريم ذو الصوت الرخيم

في قاموس اللغة العربية يفسر الصوت الرخيم: باللَيِّن، والرَقِيق، العَذْب. وإذا لم يوصف صوت علي بذلك فأي صوت يستحقه!. من غياهب المجهول وبساطة الحياة والظروف القاسية خرج فنان يا ناس جاهل صغير- قلبي بحبه انكوي… وصحيح البدو حلوين حلوين….ويا سيدي يا مظلوم مين اللي ظلم. علي عبد الكريم جاء في ذلك الوقت ليطل فغلب الكل. هنا لا أتحدث عن طلال مداح ومحمد عبده وعبادي. فهؤلاء جيل رسخوا ليس أقدامهم في مسيرة الفن فقط بل وفي كل جزئية من جمالياته. وأصبحوا عناوين ليست قابلة للتغيير أو الإبدال وإذا كان هناك هرم رابع في ذلك الوقت يُتربع عليه ففي رأي يستحقه مطرب الشباب علي.. ولم يكن ذلك بفعل الحظ، وإنما لتوفر عناصر النجاح فصوت علي مختلف وإلى الآن لا يوجد من يقارع صوته أو يشابهه؛ فهو نمط مختلف، غرد خارج سرب الأصوات السائدة في ذلك الوقت، ومن ثم الأسلوب والنمط الفني المتجدد، والذي يكرس الجمل الموسيقية الجاذبة لأذن المتلقي معتمدًا على فخامة الإيقاع وطلاوة اللزم الموسيقية وتنوع العُرب. كل تلك العناصر كانت هي الأساس في ألحانه وأدائه، والتي هي عنوان لمسيرته الفنية، ومن بعدها انطلق إلى رحاب الفن بكل أبعاده كـ بنلتقي وقصر عالي، وحقق نجاحات مستحقة ورائدة في كل الألوان التي طرقها.
عندما كنت في جدة أعمل في إدارة المرور وهي فترة سابقة لمرحلة رئاستي لمرورها. كأن أحد أصدقائي على معرفة بعلي، وقال هناك فتى تبدو عليه ملامح فنية قد تفضي إلى مشروع مطرب مبدع، وذهبنا إلى منزل علي في الهنداوية، وكان علي فعلًا في تلك الأيام على قول أغنيته جاهل صغير. وأكرمنا بما تيسر من الشاهي وانتقلنا إلى العالم الغنائي ولكن على رؤوس أقلام فهو توه في مرحلة الهواية والأمل. وأنا على بدايات خطى الكتابة الغنائية. كان على أول عتبات هواية الطرب؛ وعلى أمل أن يجد الطريق لأن يكون نجمًا على خارطة مسرح الفن ولم يدر أنه سيكون علمًا.. في رأسه نار في الفن.ومن ثم بعد حوالي سنتين كان علي ورفيق دربه عبد الوهاب الخضيري يطلان علينا بين وقت وآخر في مجلس العمدة الطيب ابن الناس الطيبين علي عبد الصمد -رحمه الله-، ونقلت إلى الرياض وكانت الاتصالات صعبة، وبعد عدة سنوات بدأت أسمع عن تألق علي عبد الكريم والذي كوّن وعبد الوهاب الخضيري “دويتو فني” يشارك في المناسبات كبدايات. وبعد فترة افترقا فنيًا فالخضيري اختار ان يتجه إلى الأناشيد الدينية، ومن ثم أصبح مملكًا يعقد القرآن في الإفراح؛ فكان له قبول جميل؛ وخاصة عندما ينطلق وهو يدعو للزوجين بينهما بالمودة والرحمة بذلك المجس الحجازي الذي يجس القلب قبل الأذن. أما علي فشق طريقه في الفن. ملأ علي دنيا الغناء مخاضًا طربيًا متفردًا في جماله وتنوعه؛ فهو مبدع الُعُرب ومهندس اللزم التي لا تملك نفسك وأنت تسمعها إلا أن تقول أعد ثم أعد. ساد بلونه المختلف حجم كبير من الساحة الفنية بقدراته الطربية؛ فأغرم بفنه جيل من تربت حاسته السمعية على الدانة والمجرور والصهبا، وتولع الشباب بما يقدمه من ألوان شعبية، أضاف لها ذائقته الفنية التي تفرد بها كالخبيتي والمزمار والدوسري والخطوات الجنوبية. توقف علي عن الظهور فترات وأصبحت إطلالته الفنية نادرة وبين حين وآخر. غاب علي عن الساحة الفنية خسارة للفن الذي فقد لونًا جميلًا ابتدع بعضًا منه وطور البعض الآخر. لعل علي يعود فالفن في شوق إليه. أنا هنا لا أروي مسيرة مشوار الحياة لعلي؛ فهي لها أبعاد ومعاناة أكبر حتي وصل إلى أن يكون أحد أعمدة الفن. ولكن هي إطلالة علي تلك المسيرة وبعض ما عايشته وما ربطنا من صداقة وأعمال فنية. …بيني وبين علي اسمان فنيان (علي عبد الكريم وأسعد عبد الكريم) حتى كان الكثير يظن أننا أخوة، وفعلًا صداقتنا ارتقت إلى مستوى الأخوة. كان أول عمل قدمته لعلي هو أغنية. تصدق بإيه ثم توالت الأعمال المختلفة منها رياضية كالاتحاد قوة وللمنتخب حيوا السعودي وطربيًا عدة أعمال منها يا ساهي الطرف وماشي علي الأرض -ارحم عباد الله ولا تبدي الوجن.. ويا عزيز على قلبي عتبك على عيني.. وعن البوسنة وكان من أجمل الأعمال عن مأساة البوسنة لحن عادل الصالح، وقدمنا عملًا عن بداية العام الدراسي وأعمال وطنية مثل أبو الشعب يأمر وحنا حدر أمره. ًوعمل وطني لا أعتقد قد تُطرِق إلى لونه سواء من حيث الكلمات أو اللحن وهو حبي لأرضك يا بلد حب الضنا وأكثر-من يعشق ألأرض يا ديرة يوله ويغرم. ولحنه محمد شفيق بطلب مني أن يتناول في لحنه تلك الجمل من الرودمان وهو طرق من الدانة. آخر عمل لي مع على هو: علينا يا خفة دمك. علينا والشوق مرسال. تفهمني إنه ما يهمك. والله أعلم بالأحوال. وضح لي وبين شعورك. في الحب الشور شورك. قالوها العشق قتال. وفي الحب تحلو الأمثال. سينزل هذا العمل قريبًا، ولعله بداية العودة فقد اشتقنا يا علي والله اشتقنا صار لك زمان مفارقنا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى