من عجيبِ المرويِّ في أخبارِ الحجِّ والحجيج أنَّ رجلًا مسنًا كان يطوفُ بالبيتِ حاجًا، فسأله طائفٌ آخرُ: من أيّ بلدٍ أنت؟ فذكر بلدًا بعيدًا، فقال له: ومتى خرجتَ من بلدك؟ فقال: أترى رأسي هذا؟ أفيه شعرة سوداء؟ قال: لا، قال: خرجت من بلدي وما في رأسي شعرة بيضاء وأنا الآن ليس فيه شعرة سوداء!
لقد أمضى عشراتِ السنين في طريقه إلى الحجّ! أبطأ به بُعد الطريقِ، وقلة النفقة، واضطراب الأمنِ، ووعورة المسالك.
وحتى في البلدانِ القريبةِ لم يكن الأمرُ سهلًا، فقد رصد (إسماعيل جغمان اليمني) في كتابه بعنوان: (رحلة الحج من صنعاء إلى مكة المكرمة)، تفاصيل رحلته من صنعاء إلى مكة للحجّ سنة 1241هـ، فذكر أن رحلته استغرقتْ شهرين كاملين، كانت مليئةً بالمخاطرِ والأهوال وقطاع الطرق، حتى قال: “أكثرنا من نطق الشهادة”!
بل إلى ما قبل تسعين سنةً تقريبًا ورحلة الحجِّ محفوفة بالمخاطر، وقد نشرت جريدة “المدينة” منذ سنين مقابلة مع مسنٍّ جنوبي حكى فيها قصة ارتحاله للحج، وذكر أن الرحلة من ديرته في (غميقة) – تابعة لمحافظة الليث- إلى مكة كانت تستغرق يومين بالسيارة، وعشرة أيام مشيًا! ولصعوبة الطريق؛ فقد كان يتوّجب على من يريد الذهاب للحج أن يكتب وصيته، ويجعل أولاده في أيدٍ أمينة! وذكر أنهم في طريقهم إلى مكة وجدوا الطريق مسدودًا بالرمال تمامًا، واضطروا إلى العمل 4 ساعات؛ ليفتحوا مساحةً تمر منها سيارتهم!
هكذا كان الحجُّ إلى بيتِ الله الحرام محفوفًا بالصعوباتِ، محاطًا بالمخاطرِ، يحتسبُ فيه الحاجّ نفسه وماله، يخرجُ ولا يدري هل سيصل أم لا، وإذا وصل هل سيرجع إلى أهله سليمًا أم لا؟
وكم قرأنا في أخبار الأولين عن المشاقّ، وقطّاع الطرق، ونقص المياه، والتيه في الصحاري، ولدغِ الثعابين السامة، وغير ذلك مما تحفظه ذاكرة الحجِّ في الماضي القريبِ والبعيدِ.
وقد تغيّر كل ذلك بفضلِ الله وما منّ به على البشرية من تطورٍ، ثمّ بفضل الجهودِ الهائلة التي بذلتها المملكة العربية السعودية لتسهيلِ وصولِ الحجاجِ، ولتسهيل أدائهم مناسكهم، ولتسهيل عودتهم إلى ديارهم سالمين.
لقد كان أهمّ ما وفرته المملكة – حرسها الله – لحجاج بيت الله الحرام هو (الأمن)، الأمن الذي يجعل الحاجَّ يقطع المسافات الواسعة داخل حدودها دون أن يخافَ أذى أو عدوانًا، الأمن الذي يجعله يؤدي المناسك مطمئنًا على نفسه وأهله وماله.
ثم هي بعد ذلك لم تدخر جهدًا في خدمةِ ضيوف الرحمنِ، بل تجنّد كل إمكاناتها المادية والبشرية والعلمية، وكل خبراتها الفنية، في سبيل تيسير الحجّ على الحجاج، وإنّك لتلحظ أن الدولة تكون في هذه الأيام مستنفرةً لخدمة الحجيج، بإشرافٍ مباشرٍ من رأسِ الهرم: خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان – حفظهما الله -.
حفظ الله المملكة وقيادتها وشعبها وضيوف الرحمن من الحجاج والمعتمرين وزائري بيته الحرام ومسجد رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم- من كل سوء ومكروه.
0