ثلاثة أشهر مضت على ذلك الموقف… فقد همً العامل لضرب الجزع النضر بفأس لإبعاده عن الموقع المحدد لوضع جدار من الحديد يكوًن أحد أضلاع غرفة تستضيف ضيوف الرحمن لساعات محدودة في مشعر عرفات، بيد أن صرخة الشاب المسؤول عطلت ذاك الفأس وتقهقر العامل وعلامات الاستفهام ترفع حاجبيه بالدهشة.
الموقع دفع بالعاملين في تجهيزات مقرات الحجاج إلى تطويع مواد البناء لتنحني إكباراً واحتراماً للشجرة في ذاك المكان المبارك مانحة إياها شهادة حياة، بدلاً من التحول إلى مجرد “فحمات” توقد لتسخير القدور، أو منح أنفاس لـ”المعسل”.
إياك أن تقطع ولو غصن شجرة حتى لا يكون هناك جفاف وتصحر، فدرجة الاندهاش تتضاءل عندما يعلم ذلك العامل أن حياة الشجرة لم تعد ترفاً وزينة كما في السابق، بل هي حياة تطوقها مبادرة وضعت فيها المملكة أملاً لمستقبل الأجيال، وأسمتها “مبادرة السعودية الخضراء” التي تهدف لتحويل الصحراء إلى واحة خضراء، واستصلاح أكثر من 74 مليون هكتار من الأراضي خلال العقود المقبلة، ويتماهي هذا التوجه مع مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي ستسهم في توسيع نطاق العمل المناخي الإقليمي من خلال التعاون والاستثمار، وقد تجلى ذلك في أهداف واضحة وطموحة تجمع دول المنطقة للعمل معاً نحو تحقيق مستهدفات المناخ العالمية.
ولتمهيد الطريق نحو مستقبل مستدام، ينبغي أن يحظى العمل المناخي وأمن الطاقة والازدهار الاقتصادي بنفس القدر من الاهتمام، حيث تركز مبادرتا المناخ اللتين أطلقتهما المملكة، على حماية البيئة، وتحويل قطاع الطاقة، وبرامج الاستدامة المبتكرة من أجل بناء مستقبل أخضر.
ولأشجار النيم في المشاعر المقدسة قصة تروى، فهناك نحز نصف مليون شجرة مخضرة تلوح بصفقاتها يانعة الخضرة مستقبلة ضيوف الرحمن، طارحة ظلها الوارف لهم من هجير الشمس، طوال فترة وجودهم حتى وقت الغروب، مستنشقة ثاني أكسيد الكربون عبر خضرتها، نافثة الأوكسجين لينعم المستظلون بأنفاس الصحة والعافية، ويتقون ضربات الشمس والغبار العالق.
ويروى أن أشجار النيم تم شتلها في عرفات منذ العام كانت مقتصرة في البداية على الطرق الرئيسة مثل جبل الرحمة والمنطقة المحيطة بمسجد نمرة ثم توسعت زراعتها عاما بعد عام حتى غطت نسبة كبيرة من مشعر عرفات منذ العام 1984م بعد ان قدم شتلات منها الرئيس السوداني الأسبق جعفر النميري، وقد وجدت اهتماماً خاصاً كونها تفيد ضيوف الرحمن، ويقال إن موطن شجرة “النيم” الأصلي الهند وميانمار، ونقلها الانجليز إلى السودان عام 1921، حتى انتشرت في كبير، وهي شجرة يصل عمرها إلى 180 عاما، ويصل ارتفاعها إلى 20 متراً، وتفيد في تنقية التربة من الأملاح، وتعتبر صيدلية طبيعية، وهي شجرة سريعة النمو وأوراقها عريضة كبيرة كثيفة تُعرف باستعمالاتها الطبية المتعددة.
بالعودة إلى “النيمة” التي انحنى لها الجدار الصلب لتظلل ضيوف الرحمن، فإنها قد نجت لإيمان الشاب بمبادرة السعودية الخضراء، تعزيزاً للعمل المناخي، وتقديراً للمبادرات المتلاحقة لتحقيق الأهداف المناخية، وتحويل أراضي المملكة إلى واجة يانعة.
0