قديمًا قوافل الحجيج الآتية من بصرى الشام ومن العراق والكوت وساحل الخليج وعمان وحضرموت تسلك طرقًا صحراوية في الغالب لا يوجد بها الكثير من المعالم الدالة على درب القافلة بل هناك زحف رملي صحراوي.. ربما غطى على كل مُعلم (الزحف الرملي)، ويُشكل عائقًا كبيرًا لتلك القوافل، وليس هناك ما يدل على المسار ولا وسيلة معهم لتحديد الاتجاه كالبوصلة اليوم كذالك كانت تلك القوافل لا تتردد في السير ليلًا اتقاء شمس الصحراء الحارقة؛ وحتى يصلوا مكة سريعًا.
فلا أمامهم سوى النظر للسماء؛ ليستدلوا بعلاماتها التي لا تُخفى على الكثير منهم والعلامات الثابتة الدائمة التي لا تختفي دائمًا أو تبقى لفصول فلكية معروفة سواء للنصف الشمالي من الكرة الأرضية مثل: نجمة الشمال وهي دائمة، ويستدل بها على الشمال أو الجنوبية ويستدل بها على الجنوب وهو نجم الشعرى، وعندما أحدد الشمال أو الجنوب سهل عليَّ تحديد اتجاهي. فمثلًا إذا انطلقت القافلة من بصرى الشام متجهين لمكة المكرمة يتركون نجمة الشمال اللامعة في ظهورهم تمامًا متجهين جنوب لمكة المكرمة.
والمنطلقين من البحرين الذي هو الخليج اليوم يتركون نجمة الشمال على حاجبهم الأيسر منطلقين غربًا لمكة المكرمة، وهكذا للبقية الذين أغلب طرقهم صحراوية.
وتعرف نجمة الشمال بأنها ألمع نجم شمالًا مقابل رأس تشكيل نجمي يشبه الملعقة والنجم يُقابل رأس الملعقة بمسافة خمسة أضعافها.
والتشكيل النجمي هذا جزء من نجوم الدب الأكبر أو كما سماها عرب الجزيرة النعش.
والمتمرسين لا يجدون أي صعوبة في تحديد ذالك أبدًا بل يرسمون خريطة سماوية كخرائط الأرض اليوم.
أما من كان جنوب الكرة الأرضية يصعب عليهم رؤية ذلك النجمة الشمالية؛ فيلجؤون إلى نجم الشُّعرا وهو ألمع نجم جنوبًا، والكل يعرفه تمامًا ودال على الجنوب ويستدل عليه بنجوم حزام الجبار، وهي ثلاث نجمات (الجوزاء) على خط واحد مائل من مجموعة نجوم الجبار التي تُشكل فارس يحمل ترسه أمامه. وبرسم خط مستقيم معها جنوبًا يوصلك إلى نجم شديد اللمعان هو نجم (الشُّعرا) جنوبًا.
كما أن هناك نجومًا طول العام ما عدا أربعين يومًا تغيب فيها وتسلك المسار النجمي مع وسط السماء تشرق وتغرب وعن حركتها بالسماء وشروقها وغروبها، أعرف كم مضى من وقت الليل وكم بقي مجازًا ساعة ليلية مثلما المزولة ساعة نهارية.
نعم كانت قوافل الحج تقتدي بنجوم السماء، وتبين لهم الاتجاه وترسم لهم خرائط سماوية تطبق كدلائل على مسالك الأرض.
أهل الشام:
حجاج الشام ينطلقون من دمشق إلى منزل إلى ذات المنازل من شرق وادي الأردن وأودية البحر الميت إلى تبوك والعلا إلى المدينة ثم مكة المكرمة.
حجاج العراق
لهم طريقان:
الانطلاق من البصرة ثم يجتاز الشمال الشرقي من شبه الجزيرة العربية وادي الباطن وصحراء الدهناء والقصيم؛ حتى يلتقي مع طريق الكوفة والبحرين في ذات عرق، والآخر الانطلاق من الكوفة عبر طرق صحراوية وجبلية وأودية كثيرة حتى قرن المنازل.
طريق عمان إلى البحرين ثم الأحساء ثم اليمامة ثم ضرية، وقد يلتقي في ضرية حجاج البصرة والبحرين، وطريق آخر للعُمانيين باتجاه حضرموت ثم طرق اليمن إلى مكة المكرمة.
حجاج اليمن:
إلى مكة عبر ثلاث طرق.
الطريق الأول طريق الساحل محاذاة البحر الأحمر إلى الشعيبة إلى جدة أو مكة المكرمة.
الطريق الثاني عبر جبال السروات صنعاء إلى صعدة ثم نجران سراة عبيدة ثم سراة الخميس إلى تنومة؛ فالباحة ثم سراة بني سعد حيث المياه العذبة والمزارع ثم الطائف فعقبة السنح إلى نعمان أو قرن المنازل فمكة المكرمة أو الطريق الثالث شرق جبال السروات بدءًا من صنعاء إلى صعدة إلى بيشة ثم إلى تبالة إلى تربة إلى الطايف ثم مكة المكرمة.
واليوم الحمدلله، وفي ظل الدولة السعودية تتحول كل هذه الصعاب إلى راحة وأمان واطمئنان وطرق سهلة المسالك مؤمنة سواء أرضية كانت أم بحرية أم جوية، وفي سويعات قليلة.
0