فن “القلطة” من الفنون التراثية الجميلة، عُشاقها كُثر ما بين ناقد ومتذوّق ومُمارس، وأغراضها متنوعة ومُتعددة، وتُناقش كثيرًا من القضايا الاجتماعية، وربما أدت إلى معالجتها، أو تخفيف حدتها، وكانت قديمًا مجالًا واسعًا لإبراز المهارات، والعتاب، والنصح، ومعالجة القضايا القبلية، وربما يصل الأمر إلى المفاخرة لكن بأسلوب نقي يكسوه الحياء، والعفة، ومع هذا يجد فيه المتذوق متعته، والناقد مادته، والممارس ذاته، ثم أصبحت مصدرًا للتكسب، إلا أن مادتها ما زالت بخير، وفي الآونة الأخيرة طرأ عليها أمر انحرف بها إلى السطحية، وإثارة العصبية، والسب والشتم، وربما كان بكلمات تخدش ثوب الحياء، وظهرت تكتلات، وتحزبات على أساس من القبلية، أو المنفعة، وعلى ضوئها بدأت العصبية تطل بوجهها القبيح، والأنا بدأ يتضخم حتى في بعضٍ من أحواله أزكم الأنوف، وأصم الآذان عن سماعه… وإنني لأعجب كثيرًا من رجل يدعو شاعرين، أو أكثر، ويدفع لهما مبلغًا من المال مكافأة على تشاجرهما، أو سبابهما في حلته أو حفله، وأكثر عجبًا من تشجيع الصفين لهما، ويزداد عجبي من ثناء بعض المستمعين لهما، وعلى ما يصدر من كلمات نابية تمجّها الآذان، ولا تستسيغها الأنفس، وهنا أتساءل هل ذبل الذوق، أو ضعفت قيمة الحياء….؟! وكوني أحد متذوقي فن القلطة، ومتابع لعدد كثيرٍ من شعرائه، وحتى لا يموت هذا الفن فيقبر بأيدي ممارسيه، أو يذبل عند عشاقه، فإني أنصح بالآتي:
⁃ البُعد عن الحزبية أو القبلية، ويكون الثناء لصاحب الكلمة العذبة العفيفة المعتدلة.
⁃ الكف عن السباب، والمفاخرة بالقبيلة، أو الذات..، وإن كان ولا بد فبرمزية تقبلها الأنفس، وتستعذبها الآذان.
⁃ تحقيق معنى القدوة من قبل كبار الشعراء، حتى يجد فيهم الآخرون المثل الأعلى الذي يُحتذى به.
⁃ إعداد جملة من المعايير الأدبية، والاجتماعية، والفنية، والأخلاقية، وتنشر للجماهير من باب التوعية، والتـثـقيف، والمحافظة على الذائقة الأدبية…..
⁃ الاشتراط على الشاعر بأن يكون معتدلًا في شعره بعيدًا عن الهجاء، وانتقاص حقوق الأشخاص، أو القبائل..، وإلّا تسقط مكافأته.
⁃ تشكيل مجلس لهذا الفن الشعبي الأصيل، تحت ظل الجهات المعنية، ويتم اختيار أعضائه بدراية، وعلى ضوء معايير محددة، لكي ينمو هذا الفن بعيدًا عن المناطقية، والقبلية، ويؤدي دوره الاجتماعي بكفاءة عالية، وتكون المهارة الشعرية، والذائقة الأدبية، والرمزية في المعنى، هي الفيصل في التفاضل.
⁃ هذه وجهة نظر أحد عشّاق هذا الفن. لعل عقلاءه، وعُشاقه يجدون فيها ما ينفع ويفيد….والله ولي التوفيق، والقادر عليه.
⁃ وصلى وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه..
– مدير عام التعليم بمنطقة مكة- سابقًا
جدة .