المقالات

الحج.. النجاح خيارنا الأوحد

اختصّ الله بلادنا بأن تضم على ثراها الطاهر أطهر بقاع الأرض، الحرم الشريف، أول المساجد التي تشد إليها الرحال، والكعبة المشرفة، وشرّفها بأن تكون قبلة المسلمين في جميع أنحاء المعمورة، ومحجهم ومعتمرهم، وبمسجد رسوله -عليه الصلاة والسلام- وبخدمة الحجيج والمعتمرين والزوار الذين يأتون إلى هذه البقاع المقدسة من شتى بقاع الأرض يبتغون فضل الله ورضاه ورحمته وغفرانه، لذا فليس من المستغرب أن يحتل الحج أولوية في اهتمامات المملكة العربية السعودية ملكًا وحكومة وشعبًا منذ عهد القائد المؤسس جلالة الملك عبد العزيز آل سعود – يرحمه الله- حتى الآن، وأن تكرس المملكة جُل اهتماماتها وإمكانياتها لإنجاح موسم الحج كل عام، وضمان أن يؤدي حجاج بيت الله الحرام مناسكهم بيسر وأمان وسلام، وأن يعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين، وقد منَّ الله عليهم بأداء الفريضة الخامسة في الإسلام، وقد ترجم سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان هذه المعاني في كلمته لدى ترؤسه جلسة مجلس الوزراء بتوجهه بالحمد والشكر لله على ما حبا به المملكة من خدمة بيته الحرام ومسجد رسوله -عليه أفضل الصلاة والسلام-، وعلى فضله وتوفيقه لها في تنظيم مواسم الحج والعمرة، وتسخير كافة إمكاناتها لتقديم أجود الخدمات لضيوف الرحمن، وكل ما يُحقق راحتهم وسلامتهم، ويمكن القول دون أدنى مواربة أن الحج لا يُعتبر شرفًا وواجبًا ورسالة ومسؤولية تقع على عاتق كل مواطن ومسئول سعودي في طول البلاد وعرضها، وإنما أيَضًا هو تحدٍّ سنوي يُحفز جهود المواطن والمسؤول كي يُحقق موسم الحج النجاح كل عام باعتبار النجاح هو الخيار الأوحد لنا جميعًا، من أجل ذلك تحرص المملكة انطلاقًا من شعورها بالمسؤولية وبضخامة هذا التحدي على تطوير برامجها وخططها في خدمة الحجيج، وتحقيق كل ما من شأنه قيام حجاج بيت الله الحرام بمناسكهم بكل يسر وسهولة.
النجاح الكبير الذي تحقق لموسم الحج هذا العام على مختلف الأصعدة الدينية والأمنية والصحية، أكدته لغة الإحصاءات في موسم حج شهد خدمات وتقنيات تُقدم لأول مرة للتيسير على ضيوف الرحمن، من أبرزها: “التاكسي الطائر” و”الأسفلت المطاطي” و”النظارة التفتيشية”، هذا إلى جانب التوسع في تقنيات وخدمات سابقة مثل: الطرق المبردة واستخدام الطائرات المسيرة (الدرونز)، وخدمة “حج بلا حقيبة”.
وقد وظفت وزارة النقل السعودية 32 تقنية للتسيير على نحو مليون و833 ألف حاج أدوا المناسك لهذا العام من 200 دولة، من بينها 17 تقنية جديدة.
إن قراءة سريعة لأرقام موسم حج هذا العام تعكس مدى الجهد الكبير الذي تبذله حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، فوفق ما جاء في المؤتمر الصحفي لمعالي وزير الحج والعمرة الدكتور توفيق الربيعة تم تدريب أكثر من 120 ألف من العاملين في خدمة ضيوف الرحمن من خلال أكثر من 2500 ورشة تدريبية داخل المملكة و10 دول حول العالم، وتم استحداث 11 مبنى جديد في منى تستوعب 37 ألف حاج، وبلغ عدد شركات مقدمي الخدمة 35 شركة أغلبها متخصصة وذات قدرة مالية، وسهلت مبادرة طريق مكة على الحجاج من خلال خدمة 250 ألف حاج؛ علمًا بأن تكاليف تلك المبادرة تكفلت بها الدولة كاملة، وباشر 10 آلاف متطوع ومتطوعة أعمالهم الميدانية، وتوفرت 120 خدمة في منصة “نسك” ومحفظة لرقمية آمنة هذا العام، كما تمَّ إنشاء مكتب مشاريع الحج للتنسيق بين 50 جهة حكومية. على الصعيد الصحي، قدمت المملكة خدمات صحية للحجيج هذا العام لا تُعد ولا تحصى، من أهمها تجهيز 189 مستشفى ومركزًا صحيًا وعيادة متنقلة، باستيعاب سريري يزيد على 6,500 سرير، وبكوادر طبية وفنية وإدارية ومتطوعين تتجاوز 40 ألفًا، وبسيارات إسعاف تزيد على 370 سيارة و7 طائرات إسعافية و12 مختبرًا و60 شاحنة، لتوفير أكثر من 1860 بندًا طبيًا، وفي خطوة نوعية 3 مستودعات طبية متنقلة موزعة في المشاعر المقدسة.
وبلغ عدد الحجاج الذين تلقوا الخدمات الصحية أكثر من 390 ألف حاج، وتمّ إجراء أكثر من 28 عملية قلب مفتوح، وأكثر من 720 قسطرة قلبية؛ بالإضافة إلى أكثر من 1169 جلسة غسيل كلوي.
نستطيع أن نقف على نجاح موسم حج هذا العام من خلال شهادات بعض الشخصيات البارزة التي قامت بأداء الفريضة، وعلى رأسهم معالي د. علي أرباش وزير الشؤون الدينية في تركيا، وفضيلة الدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية، ومعالي الدكتور يوسف بلمهدي رئيس الشؤون الدينية والأوقاف في الجزائر، وسعادة محمد ناصر المطيري نائب رئيس مكتب شؤون الحجاج في الكويت، ومعالي الدكتور محمد شبيبة وزير الأوقاف والإرشاد في جمهورية اليمن.
ولا شك أن نجاح موسم حج هذا العام يعود أولًا لفضل الله -جل وعلا-، ثم لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وسمو ولي عهده المحبوب الأمير محمد بن عبد العزيز، وكافة الأجهزة الدينية والأمنية والصحية التي تضافرت جهودها من أجل توفير أعلى درجات الأمن والسلامة لحجاج بيت الله الحرام، ولا يسعنا في هذه المناسبة التي نعتز بها جميعًا إلا أن نرفع أسمى آيات التهنئة لمليكنا المفدى وولي عهده الأمين، وكل عام وبلادنا بخير وأمن وأمان.

د. سونيا أحمد مالكي

طبيبة - مديرة إدارة الصحة المدرسية بتعليم جدة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى