تُمثل الجامعات طلائع المؤسسات التعليمية، ويحرص القائمون عليها على تطويرها وتجديد مهارات منسوبيها، ولا شك أن واقع التعليم الجامعي يحتاج إلى مراجعة لجعل الجامعة قادرة على مواكبة التطورات العلمية المتسارعة، والتي بدورها تحتم وضع خطة لتطوير التعليم الجامعي.
لقد باتت قضية تطوير التعليم على مختلف مستوياته من أهم القضايا التي تسعى الدول لإعطائها الأولوية الكبرى على أجندة العمل الوطني.
وأصبح الاهتمام بمستقبل التعليم في القرن الحادي والعشرين أهم المحددات الرئيسية للتميز والقدرة على التنافس الدولي في سباق المستقبل، والذي سيتحدد الفائز فيه بنصيب من التراكم المعرفي لديه، ممثلًا في العلم، وتكنولوجيا المعرفة، والمعلومات، وتكنولوجيا توظيف واستخدام المعلومات.
إن عملية التطوير الجامعي لا تقف عند محور معين، أو مرحلة، أو بُعد واحد، وإنما يتعيَّن أن تعمل كمنظومة تتناول كافة المحاور والمفردات والمراحل وصولًا إلى تفعيل عملية التطوير ورفع كفاءتها وعائدها، ولكي يتحقق ذلك يجب أن تقوم عملية التطوير على المسلمات التالية:
أولًا: إن التعليم الجامعي بآلياته وعملياته ونواتجه هو استثمار قومي وخط دفاع إستراتيجي يقف كمحدد أساسي قومي بعيد المدى.
ثانيًا: إن التعليم هو أساس العدل الاجتماعي المنشود وطريقه، ومن ثم فإن إتاحة فرص متكافئة لأبناء المجتمع باتت ضرورةً اقتصاديةً واجتماعيةً؛ فضلًا عن أنها ضرورة حضارية وثـقافية وأخلاقية وأمنية.
ثالثًا: إن تفعيل عملية تطوير التعليم الجامعي هي مسؤولية مشتركة بين مثلث الشراكة الجامعية وما في مستواها، والفرد، والمجتمع، حكومات وسياسات، ومن ثم فإن فعاليات عمليات التطوير تتوقف على إسهام كل من هذه الأطراف الثلاثة في إحداث التوازن المفترض بين أبعاد هذه المسؤولية.
رابعًا: إن نواتج التعليم الجامعي ليست مجرد نواتج كمية للخريجين، بل هي تراكم معرفي وحضاري وخبرات مكتسبة تعبر عن نفسها في أرض الواقع تطويرًا وتغيرًا وتحديثًا وإبداعًا وابتكارًا، ومن ثم فإن التناول (الكيفي) يجب أن يواكبه إن لم يسبقه التناول (الكمي) بقضايا التطوير وآلياته وأهدافه ومنجزاته.
وعلى ضوء هذه المسلمات يجب أن تشمل عمليات التطوير المحاور التالية:
1- فتح الآفاق أمام إدخال التخصصات الحديثة
لقد أصبحت حركة المجتمع ومتطلباته موصولة بالمنظومة العالمية التي فرضت إيقاعات سريعة ومهام ومشكلات معقدة لا يمكن مواجهتها إلا بالتسلح بأسلحة العصر وتحدياته، ومن هذه التخصصات: الحاسبات الآلية وأسس استخدامها في التدريس، تكنولوجيا المعلومات، تكنولوجيا التعليم وآلياتها، المكتبات الإلكترونية، وأخيرًا التعليم عن بُعد والجامعات المفتوحة.
2- مستوى تأهيل عضو هيئة التدريس:
يظل عضو هيئة التدريس يُشكل حجر الزاوية في العملية التعليمية، ويقف خلف نجاح أو فشل أي عمليات للتطوير، ومن ثم فإن الحرص على رفع مستوى تأهيله وتزويده بالخبرات والمعارف أمر حيوي، كما أن تدريبه أثناء الخدمة لا يقل أهمية عن تأهيله، باعتبار أن تأهيله وتدريبه يؤثران بشكل تراكمي على خبراته التي يمتد تأثيرها على أجيال متعاقبة من الطلاب والطالبات، وعليه فإن الاستثمار في هذين المطلبين هو أفضل أنماط الاستثمار وأعلاها عائد، كما أن الحرص على أن (يقصر) التدريس في صفوف البكالوريوس على المؤهلين من حملة الدكتوراة في التخصص أمر في غاية الأهمية، وإلا تحوّلت المرحلة الجامعية إلى مرحلة ثانوية عُليا.
3- دور الجهد في النجاح:
تُشكل قضية المشاركة الإيجابية للطالب في المرحلة الجامعية القائمة على بذل الجهد الحقيقي محورًا هامًا من المحاور التي تقوم عليها عمليات التطوير، فالدور الذي يبذله (الطالب) في الحصول على المعلومات والوصول إليها أكثر أهمية في ترقيته وتعليمه من المعلومة ذاتها، فلا يكفي أن نعرف، وإنما يتعيَّن علينا أن نعلم طلابنا كيف يعرفون، وكيف يصلون إلى المعرفة، وكيف يوظفونها في حياتهم، كما يجب أن تكون تقديرات (النجاح) انعكاسًا للمستوى الحقيقي للطلبة، حتى يسهم هذا في تكوين صورة إيجابية عن الذات يمكن أن يكون لها مصداقية في أرض الواقع، وأخيرًا يجب أن يكون النجاح انعكاسًا للمستوى وجهدًا حقيقيًّا.
ويصعب أن يحدث هذا إلا إذا كانت هناك قناعة بذلك من كافة أطراف العملية التعليمية.