اشتهر الإعلامي “أحمد سعيد” في حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، برئاسته لأهم الإذاعات العربية وأكثرها تأثيرًا في الشارع العربي والمصري؛ إذاعة “صوت العرب”، في عهد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر.
عُرِفَ جماهيريًّا في بلده مصر والعالم العربي بأسلوبه الفريد في الأداء الإذاعي، وفي ذروة شهرته طلبت بريطانيا رفع اسمه من قائمة الوفد المصري المسافر إلى لندن في عام 1965م، بحجة تحريضه الدائم على بريطانيا في تلك الفترة، وبسبب ذلك كادت أن تحدث أزمة بين البلدين حتى تدخل رئيس وزراء بريطانيا وقتها “هارولد ويلسون” لاحتواء الأزمة.
أطلق عليه اسم “مذيع النكسة”، بسبب ما أطلقه من أخبار غير صحيحة في بداية حرب عام 1967م، فقد أعلن عن انتصارات وهمية وقتها تبيَّن بعدها أنها غير صحيحة؛ ولعل المصريين الذين عاشوا تلك الحرب والمعروفة باسم “النكسة”، يتذكرون صوت المذيع عبر صوت العرب “أحمد سعيد”، مصرحًا بأن مصر مستمرة في تحقيق انتصاراتها على العدو الإسرائيلي، وتوالت الأخبار التي يُذيعها عن نجاح الجيش المصري في إسقاط (50) طائرة حربية للعدو، ثم ارتفع العدد إلى (80) طائرة، ليصل في النهاية عدد الطائرات التي أسقطها الجيش المصري إلى (100) طائرة، وقد عادت “طائراتنا سالمة”، ما عدا طائرة واحدة.
وفي صباح نفس اليوم استيقظ المصريون والعرب بعدها من سباتهم العميق على الهزيمة الكبرى التي أخفتها أجهزة الإعلام خلف ستار انتصارات وهمية ليس لها وجود، ظل لسنوات اسمه مرتبطًا في أذهان المصريين والعرب بعد تلك الهزيمة العسكرية المؤلمة.
استقال ” أحمد سعيد” في شهر سبتمبر عام 1967م، من رئاسته لإذاعة صوت العرب التي تميّزت وقتها بسرعة نقل الأحداث، بعد أن قضى ما يُقارب (14) عامًا في منصبه منذ تأسيسها عام 1953م.
لعب المذيع “أحمد سعيد” دورًا إعلاميًا مهمًا، وكان إذاعيًا مؤثرًا في الجماهير المصرية والعربية في تلك المرحلة الحرجة من التاريخ المصري والعربي؛ خاصة فيما سُمى بوحدة الأمة العربية، ومحاربة الاستعمار الفرنسي والبريطاني لبعض البلاد العربية، وكذلك في فترة حرب اليمن التي سبقت حرب يونيو 1967م، بين العرب والعدو الإسرائيلي.
ظل اسمه لسنوات في أذهان الجماهير المصرية والعربية مرتبطًا بهزيمة مصر أمام العدو الإسرائيلي، غير أن تاريخه اختصر في لقب “مذيع النكسة”، على الرغم من أن له العديد من المؤلفات والأعمال الأدبية.
وحول الهزيمة ذكر في أحد لقاءاته مع المذيعة الشهيرة “ليلى الأطرش”، قائلًا: “كنت أعرف أننا مهزومون، وهذه مهمتي أنا والعاملون بإذاعة صوت العرب، عرفت بالهزيمة في نفس يوم (5) يونيو الساعة (12) ظهرًا، بعد أن اتصلت بالقيادة الذين أكدوا لي خبر الهزيمة، وطلبوا مني الحفاظ على الأداء نفسه لأجل رفع الروح المعنوية للناس وتماسك الجماهير المصرية والعربية، وزاد قائلًا: هذه مهمتي”.
1
الإعلام العربي، وخاصة الإعلام المصري، قام على تزييف الوعي، وكان ذلك واضحا بعد انقلاب ٦٢ الذي سمي ثورة، ٥٢، وقلب الحقائق، واستطاع تضليل الجماهير وخداعهم، ومن ذلك تسمية الانقلاب ثورة، وإعطاء قائده لقب (الزعيم الأوحد) وقلب نظام المجتمع، فقد تم تهميش الرموز والأعيان، وتصعيد من كانوا في الهامش، وتم خنق الحريات، رغم حديث الإعلام عن الحرية والديموخراطية، وتربى المجتمع على النفاق والكذب والهيام لأن القيادة تريد ذلك، وكان من نتيجة هذا الوضع مقتل آلاف الجنود المصريين في اليمن، وضياع سيناء وغزة والجولان والضفة، وهو ما عرف بالنكسة. والله أعلم.