ظهر رجل بـ (كاريزما) فخمة، ووجه وقور، وبياض الشيب يلتحف وجهه، وهو يتحدث بثقة، عن رفد أو (عانية) أبناء عائلتهم ممن يتزوجون بدعمهم بفيلا مؤثثة من إيطاليا، ومليون ريال نقدًا، وسفرية إلى أوروبا درجة أولى، بالإضافة إلى وظيفة، ويختتمها بعبارة (هذا أكثر شيء نسويه)، ويظهر في النصف الآخر من التصوير سيارات فارهة بالقُرب منه، من لم يصدق ممن شاهد المقطع حديث ذلك الرجل؟!
أول شخص لم يصدق هو صاحب المقطع، ومن الطبيعي ذلك لأنه يعرف نفسه، حيث ظهر في مقطع آخر، واصفًا مقطعه بـ (الدعابة)، ولكن لم يكن يصدق أو يتصور أن مقطعه الذي كان يداعب فيه العدد البسيط في حسابه من أصحاب وأصدقاء، أن يتحول إلى رأي عام؛ حيث اعترف بكل شجاعة، وبكاريزما أقل جودة بكثير من الأولى، بعدم صحة ما ذكره، وأنه من عائلة متواضعة جدًّا.
ما لم يكن يعرفه ذلك الرجل هو (تأثير الكاريزما) على المجتمع، من لباقة الحديث والملابس، و إظهار المركبات الفارهة كمصداقية، كان لها تأثير احترافي للانتشار، وعندما وصفته بـ (الشجاع) لاعترافه بالحقيقة، لأنني أعرف جيدًا استخدام الكثير من المؤثرين أو المشاهير ومستخدمي السوشال ميديا لمثل هذا الأسلوب في العرض، والاقناع، سواء في التسويق، أو إظهار أنه يعيش حياة فارهة بينما واقعه مختلف جدًا عن ذلك (كذبة)، وقد يصل إليه من جيوب المستضعفين الذين يقودهم تأثيرات الكاريزما.
دائمًا ما أقول إنه ليس كل من يقول لكم أن هذا المنتج جربته على نفسي أو عائلتي (يكون صادقًا)، ومن يقول أخذت وقتًا من التجربة لأتأكد (عشانكم) بل الوقت كان (عشانه) للتفاوض على المبلغ، حتى إن بعض الأعمال الخيرية لم يعرضها كأجر خيري بل مقابل أجر مالي، لذلك عندما يبدأ تصويرهم ينتقلون إلى عالم افتراضي، يسرقون لغة غير لهجاتهم، ويرتدون وجهًا بقناع الفلتر، ولمحات سريعة على ماركات مزيفة، لإقناعكم على شراء سلع أقل جودة، وقد تكون رديئة، ليتمكنوا من نسبة التسويق شراء الماركة الحقيقية، ليتركوكم تعيشون في عالم افتراضي من صنعهم، لتصنعوا لهم عالم ثراء من واقعكم.
لا تخدعكم (كاريزما المظاهر)، ولا تتمنون حياة غيركم، ولا تصدقون إلا واقعكم بل اصنعوا أنفسكم، بالجد والاجتهاد، لأنها الحقيقة الوحيدة الصادقة، ورزقكم على قدر عملكم، وتمنوا واطلبوا القدر الأفضل من الله؛ فكم من شخص بعد مشاهدة مقطع المزحة للرجل الذي بدأت فيه مقالتي، تمنى أن يكون من عائلته، وفي الواقع تمنى حياة بسيطة متواضعة.