المقالات

رحلة إندونيسيا.. وكيف تعرف الرجال؟

في عام 1988م، قمت بزيارة عمل لستة دول آسيوية (ماليزيا، إندونيسيا، بروناي، باكستان، بنجلاديش، الصين) ضمن وفد وزارة الحج والأوقاف برئاسة معالي الوالد الشيخ عبدالوهاب أحمد عبدالواسع .. وزيرالحج والأوقاف – رحمه الله رحمة الابرار-، حيث ضم وفد الوزارة مع معاليه.. وأنا، كلاً من الأخوة الزملاء: حسام خاشقجي، صالح المانع، عبدالرحمن الحارثي، فيصل البيهيجان، عبدالوهاب محجوب (رحمه الله .. من مصر الحبيبة)، وفهد بن جديد – مع حفظ الألقاب والمقامات-.
ومؤخراً وبعد 36 عاماً كاملة، شاءت الأقدار أن أسافر إلى إندونيسيا مجدداً بدعوة كريمة من الأخ الأستاذ/ موفق منصور جمال.. نائب رئيس مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية، وبمشاركة الأخ د. سليمان محمد قطان.. عضو مجلس إدارة الشركة، حيث جمعتنا الصحبة الطيبة في هذه الرحلة كنوع من الاستجمام بعد تعب موسم حج 1445هـ الذي تكلل بالنجاج اللافت بفضل الله، ثم بجهود مجلس إدارة والفريق التنفيذي ومنسوبي الشركة بقيادة سعادة د. احمد عباس سندي .. رئيس مجلس الإدارة وربّان سفينتها الرائع.
وإندونسيا، بلد جميلة هادئة مريحة نظيفة، وشعبها بشوش يتميز بالاحترام الجمّ وحسن استقبال الزوار، كما أنها أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، فهي – وفقاً لتعداد عام 2018م- تضم أكثر من (231) مليون نسمة، نحو (87%) منهم من المسلمين.
وقد حطت رحالنا بالعاصة جاكرتا، والتي تستحق – حقيقة- الزيارة، والتعرف على الأماكن السياحية الجميلة بها، والتي لكي تلم بها تحتاج ما بين (3- 5) أيام، وذلك لكي يستمتع الإنسان بأجمل اللحظات والذكريات التي لا تنسى، خصوصاً مع صحبة الكرام من أمثال: أ. موفق جمال، ود. سليمان قطان.
وهنا، يحضرني ما رواه “ابن قتيبة” في “عيون الأخبار” عن قصة رجل جاء للخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يشهد فزكاه له رجل آخر مؤكدًا على صحة كلامه واثقًا من صدقه، إذ قال الرجل لعمر بن الخطّاب: إنّ فلانًا رجل صدق، قال: سافرت معه؟ قال لا، قال: فكانت بينك وبينه خصومة؟ قال لا، قال: فهل ائتمنته على شيء؟ قال لا، قال: فأنت الذي لا علم لك به، أراك رأيته يرفع رأسه ويخفضه في المسجد… وقد وردت هذه الرواية في عدة مواضع منها ما رواه الترمذي في “أدب النفس”.
وخلاصة الرواية أن معرفة الآخر خلال السفر من الأمور التي تعرفنا جوهر الآخر ومعدن الرجال النفيس، وهو ما رأيته جلياً في سفرة إندونيسيا مع الأخ موفق جمال بلطفه ودماثة خلقه وأريحيته ونفسّه الهادئ، وكذلك تواضعه الجمّ وخبراته العملية رفيعة المستوى، فهو باختصار رجل يوزن بالذهب.
أما الصديق العزيز د. سليمان قطان، فشهادتي فيه مجروحة، إذ تمتد صداقتنا لسنوات طويلة منذ كان يعمل مع والدي السيد/ محمود علوي إبان عصر “مؤسسة أفريقيا غير العربية”.
وبالعودة إلى جاكرتا، فقد زرنا العديد من الأماكن الشعبية والتراثية والسياحية الرائعة، غير أن أجمل ما رأيناه زيارتنا لمكتب رابطة العالم الإسلامي بدعوة كريمة من السفير د. عبدالرحمن محمد أمين خياط المشرف على الرابطة بجاكرتا (وسفير خادم الحرمين بأندونيسيا سابقاً).
وقد أولم لنا د. عبد الرحمن بالأكل الجاوي اللذيذ، وقد سعدنا نحن الثلاثة (أ. موفق، ود. قطان، وأنا) بلطف وحميمية وكرم د. عبد الرحمن خياط الذي عاملنا كأننا نعرف بعضنا البعض منذ زمن بعيد.. وتلك شيمة الكرام..، وذلك بحضور مجموعة من الشخصيات السعودية المميزة، ولا سيما الصديق القديم والحميم د. عبدالحميد جعفر داغساتي.. جارنا القديم في حي النزهة بمكة المكرمة، والذي تربطنا به علاقة أسرية قوية.

وقد دار خلال ذلك اللقاء الحديث عن المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين – حفظهما الله-، ودورها الرائد في تعزيز وعي أبناء الأمة الإسلامية بمبادئ دينهم العظيم. كما دار حديث الذكريات عن مكة المكرمة وبيتها الحرام .. قبلة الإسلام والمسلمين.. وأماكنها وأحيائها القديمة وأهلها الطيبين، وكذلك الطائف وجمالها وذكرياتنا بها.
ومن الأشياء التي أسعدتنا زيارتنا لمدينة بوكور، والتي تقع في جاوة الغربية بإندونيسيا، ويقدر عدد سكانها بـ 950,334 نسمة. وقد كانت بوكور عاصمة إندونيسيا إبان الاحتلال البريطاني، كما استخدمت كعاصمة من قبل الهولنديين حين كانت تعرف باسم “بويتنزورج”.
ويحيط بالمدينة عدة جبال منها: “جننج جيدي”، و”جننج سالاك”. كما توجد في جنوبها مزارع كبيرة للشاي، علماً بأن بوكور تقع عند سفح بركانين شهيرين بإندونيسيا، وتُعتبر ثالث أكبر مدينة في البلاد، كما أنها زاخرة بالمنتجعات والفنادق الفاخرة، وتحتوي على الكثير من المعالم الجاذبة للسياح، كالقصور الريفية والمعابد التاريخية والمتاحف المتنوعة والملاهي والمراكز الترفيهية، بالإضافة إلى المطاعم المحلية والعالمية.
ونظراً لجمال الرحلة وروعة الصحبة، كنت أرغب في تمديدها لعدة ايام، إلا أنني عجلت بالعودة بسبب العملية الجراحية التي سوف تجريها زوجتي الحبيبة “أم الوليد” – شفاها الله وعافاها-، ويحضرني هنا أعظم جملة قيلت في الحب، وهي الجملة التي قالها الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وسلم- في أمنا.. أم المؤمنين السيدة خديجة – رضي الله عنها وأرضاها: “لقد رزقني الله حبها”.

– ‏عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية

خالد محمود علوي

كاتب - عضو مجلس إدارة شركة مطوفي حجاج الدول الأفريقية غير العربية

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. سعدت أيما سعادة بلقائكم أخي الكريم لا عدمتك محبا وأخا كريم الشمائل عذب الوصال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى