غازي القصيبي الشاعر والأديب والكاتب والسفير والدبلوماسي والوزير السعودي والرقم الصعب في كل ما سبق؛ وتلك ألقاب استحقها بجدارة، وتلك مهام تولاها ولم تكن تصلح إلا له ولم يكن يصلح إلا لها. وبعبارة كثيفة يمكن القول: لم يكن القصيبي شخصًا عاديًا بل كان استثناءً كما عنون له إصدارا خاصا من إصدارات الجزيرة الثقافية: الاستثناء الذي صدر عام 2009 فهو بحق رجل قلَّ أن تجد له نظيرًا.
قضى القصيبي سنوات عمره الأولى في مدينة «الأحساء» في «المنطقة الشرقية مسقط رأسه حيث ولد فيها في (2 مارس 1940) أما وفاته فقد كانت في (15 أغسطس 2010).
لقد غطى تأثير القصيبي أجيالًا من الشباب العرب وأحسب نفسي منهم. ولقد كان ولا يزال مدرسة للكثير من القراء والباحثين والأدباء والكُتاب. ففي سياق إنتاجه الفكري والإبداعي، ألَّف القصيبي وترجم وأبدع عددًا كبيرًا من الكتب في شتى المواضيع: كالرواية، والقصة، والشعر، والتنمية، والسياسة. وفي سيرته الإدارية كتب أكثر من كتاب: كالوزير المرافق، وحياة في الإدارة، ووصل عدد كتبه إلى 72 كتابًا.
لم تكن تلك المناصب، التي تولاها والتي أشرنا إليها في الفقرة الأولى من هذا المقال، لتمنعه من تدوين وتوثيق تجاربه الشخصية في كل ميادين العمل والحياة العامة والمهنية ونقلها إلى قرائه ومحبيه ومنتقديه لتظل شاهدًا على عمق فكره وتحليله تارة كما في “حياة في الإدارة” الكتاب الذي دون فيه القصيبي سيرته الإدارية وجانبًا من التحديات التي واجهها في بيئات عمله المختلفة أكاديميًا مستشارًا ووزيرًا، وهذا الكتاب هو الأعلى مبيعًا والحاضر في المكتبات العربية والمعارض الثقافية العربية. ومنها أيضًا: سعادة السفير، الخليج يتحدث شعرًا ونثرًا، ثورة في السنة النبوية. أما عاطفته الزمانية والمكانية فقد جسدها في اصدارات عديدة مثل: “حديقة الغروب، عن قبيلتي أحدثكم، عن هذا وذاك: مقالات، العودة إلى الأماكن القديمة، العودة سائحًا إلى كاليفورنيا، العولمة والهوية الوطنية.”
كما لم يترك القصيبي شغفه الأول المتمثل في الشعر، فديوانه الشعري “معركة بلا راية” أثمر في وضع بصمة في حركة الشعر السعودي الحديث؛ ولم ينقطع عن الأدب ممازجًا بين الأشكال والتجارب والأغراض الشعرية فتراه يصدر بعض الدواوين الشعرية التي تمزج بين الشعر التقليدي الحي والشعر الحداثي والغزلي. وهذه الأعمال الفكرية والإبداعية ثروة وطنية أدبية وعلمية وتحتاج منا إلى وقفات كبيرة وكثيرة لاستخراج كنوزها إلى الأجيال المعاصرة.
اعتبر كثيرون القصيبيَّ سفير الكلمة والوزير الشاعر والأديب الأكثر قدرة على طرح رؤاه بأسلوب عالٍ ورصين تخطى حدود الجغرافيا ليصل إبداعه إلى العالم العربي أجمع، بل إلى لغات متعددة.
أما عن تجربتي الشخصية فغازي القصيبي هو سفير الثقافة السعودية ورمز الفكر الحداثي المعاصر والمحافظ في ذات الوقت على إحياء الموروث الإسلامي العربي السعودي- تحديدًا في كل مؤلفاته- كان قادرًا على تخطي الحد الفاصل بين المحلية والإقليمية إلى الآفاق العالمية الرحبة والفسيحة مما جعل ما يكتب فريدًا من نوعه متفردًا في فكره وطرحه… وكلما قرأت كتبه ومقالاته وشاهدت لقاءاته وهو يحدثنا عن أفكاره ومشاعره ومغامراته شعرت أني أعيشها…
ولأن القصيبي كان كاتبًا ثقافيًا واجتماعيًا ويستهويه هذا النوع من الكتابات، كتب عن ديانا أميرة ويلز. ومكنه أسلوبه العميق من الاستحواذ على أعين وأسماع من يحيطون به، لما يمتلكه من روح وثابة وفكر عميق وثقافة متنوعة ولغة عربية جميلة وأخاذة. لقد استخدم القصيبي قلمه في مواقف عديدة وتصدّى بقلمه لمعالجة الكثير من الأزمات السياسية وغيرها، خدم وطنه وبذل الغالي والنفيس في سبيله.
وعلى الصعيد الإداري العملي تقلد القصيبي وزارات عديدة: الصناعة والكهرباء، ثم أصبح وزيراً للصحة ثم وزيراً للمياه والكهرباء ثم وزيرًا للعمل تخلل تقلده السفارات عمله سفيرًا لدولة البحرين ثم في بريطانيا سفيرا مشاغبًا بقصيدة الدرة. لقد أضفى تنوع ثقافته وخدمته لوطنه في مجالات عديدة بعدا إنسانيا مكنه من البقاء في ذاكرة أجيال لاحقة.
لم يغب غازي القصيبي عنا، فقد ترك فينا أثرًا عميقًا ومتنوّعًا …أثرًا إبداعًيا فيما ألفه وترجمه، وحضورًا قويًا على المستوى الوطني والعربي والعالمي. واليوم ونحن نشارف على مرور عقد ونصف على رحيل هذا المفكر السعودي والذي لا يزال ما كتبه من الكتب المفضلة والأعلى مبيعًا وقبولًا وحضورًا ولا يزال يذكر في مواطن القوة والحكمة والتعامل وسيبقى هذا الموروث معنا ومع الأجيال التي تعقبنا.
– جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
مقال ثري و حافل بالمعلومات الدقيقة الممتعة و هكذا دايماً كتابات البرفسوره المتألقة دايما أماني خلف الغامدي. ✅✅
احسنت وأجدت فهو رحمه الله كان مدرسة في كل شي. ولي معه موقف حيث أرسلت له أحد أعمالي فأثنى عليه برسالة رسمية كلها تحفيز ومحبة. وختمها بعبارة أخوكم.. ثم ذكر منصبه.