يولد كل إنسان بقابلية دماغية مذهلة، إنه يولد بدون وعي ولكن بواسطة هذه القابلية الأساسية التي يولد بها كل فرد، يبدأ عقله في التشكّل بعد ولادته، وخلال سنواته الأولى التي تسبق بزوغ وعيه تتكوَّن له بنية ذهنية قاعدية، ومنها ينبثق الوعي وتكون هذه البنية الذهنية القاعدية هي وسيلته للتلاؤم مع متطلبات الحياة وأداته للتعلم.
وبهذه القابلية الأساسية العجيبة يكتسب أيضًا العادات التي هي عدة الفرد لممارسة شؤون الحياة؛ فالمهارات الرائعة التي يكتسبها الناس اكتسابًا، ويتفاوتون فيها تفاوتًا شديدًا، إنها كلها نتاج قابلية التعود؛ فحين تُشاهد شخصًا يمشي على حبل ممدود فوق هاوية؛ فليس ذلك سوى نتاج تعبئة قابلية التعود بالمران الطويل والممارسة المنتظمة، ومثل ذلك يُقال عن لاعب الكرة أو الشطرنج أو أي أداء دقيق في أي مجال؛ فالإنسانية كلها تعتمد على قابلية التعود في كل ما تملكه من مهارات متنوعة عجيبة هي أساس ما تعيشه الإنسانية من إنجازات.
الطبيب جراح الأوعية الدموية الذي يقوم بترميم الأوعية الدقيقة لا ينجز ذلك بواسطة المعارف فقط بل إن التدريب الدقيق والمران الطويل هو الذي يمكِّنه من إنجاز مهام خطيرة ودقيقة.
لاعب الشطرنج المذهل لا يملك معلومات أكثر من غيره لكنه قد قام بتعبئة قابلية التعود حتى صارت القدرة تفيض منه وتتدفق.
لكن قابلية التعود لها أضرار فادحة؛ فليس الإدمان بمختلف المواد الإدمانية سوى نتاج قابلية التعود..
ليس هذا فقط بل إن استعصاء علاج الاضطرابات النفسية يعود إلى قابلية التعود؛ فنشاط الدماغ المضطرب يخلق دوائر عصبية عميقة؛ فيصير القفز من هذه الدوائر العميقة في غاية الصعوبة؛ فالأصل في كل فرد أنه يكون منتظمًا في الحياة على ما تطبع به في طفولته، ولكنه حين يتعرض لصدمة؛ فإن آليات عمل الدماغ تزيح التفكير خارج الدوائر النمطية؛ وبذلك ينشأ الاضطراب النفسي.
وهكذا نرى أن قابلية أساسية واحدة تكاد تهيمن على الإنسان؛ فتمتد إلى كل جوانب الحياة.
0