المقالات

بورصة المتاجرة بالدماء، وأنموذج القدوات الفضلاء

فمنذ زمن ليس بالقصير، ظهرت على الساحة الوطنية، سماسرة بورصة المتاجرة بالدماء، وبدا السماسرة الجُدد يتصدون لجمع الملايين على هامش الأحزان التي تعصر بقلوب الأسر على أبنائهم الذين ذهبوا ضحايا المجرمين القتلة مستغلين العواطف والأحزان، التي تجيش بها النفوس والعواطف الجياشة، عبر حشد الشخصيات الاعتبارية من العلماء والدعاة ومشايخ القبائل، والتوجه بهم نحو أهالي المجني عليهم، وعلى هامش هذه الحشود تُقام مظاهر الضيافة الجفلى، في عرض باذخ، لم يراعِ مشاعر أهالي الضحايا، وبين ذلك يبدأ سماسرة بورصة الدماء يعرضون خدماتهم لجمع الملايين، مقابل نسب مشروطة، مما أفرغ الحكم الشرعي من محتواه وفتح باب التجارة بالدماء، وفي المقابل لازال المجتمع السعودي بخير (والحمدلله)؛ فظهرت شخصيات على قدر جميل من الصبر والحلم، والتخلق بسمات العفو، فاحتسبوا الأجر عندالله فيما فقدوه من فلذات أكبادهم بالعفو لوجه الله تعالى؛ مما يدل قطعًا على أن حلوم الرجال تتباين قوة وضعفًا، وتتفاضل سعة وضيقًا، وفي ميادين العفو والحلم والتسامح تتفاضل مقامات ذوي الفضل والإحسان ومكانتهم، ولا يزال التاريخ الإسلامي والعربي يُسجل مواقف جليلة، يعجز قلم الكاتب، ولسان الشاعر، وتعليل وتفسير الفيلسوف الوفاء بحقها، وأحسب أن موقف الشيخ المفضال والعلم الشامخ، عظيم السبال، وعريب الجد والخال الشيخ/ زبن بن عواض الرحيمي الشلاحي المطيري (حفظه الله ورعاه)، الذي سجل موقفًا في جبين الدهر، سيبقى مأثورًا مأجورًا حينما عفا عن قاتل حشاشة فؤاده، وقرة عينه، وهو يرى لمعان السيف يخطر بارقًا بين الهامة والوتين، فأعلنها صادقًا مخلصًا، قد عفوت لوجه الله مرددًا قول الله تعالى: (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا) (سورة الإنسان الآية 9)؛ وبهذا الموقف الرجولي الإيماني، أقدم هذه الأبيات لمقامه الرفيع ومكانته الشامخة الباذخة ..

تَفاضلَ قَومٌ في المَقاماتِ مَوضِعا
وجَالتْ خُيولٌ العَزْمِ بالفوزِ سُبَّقا

وبَزَّتْ حُلُومٌ للرجالِ بِمَوقفٍ
يفوزُ بها القَرْمُ العَزومُ مُحَقِّقا

مقامٌ رفيعُ لا يُنالُ بِمُنيةٍ
ولكنها نَفْسٌ تَسِيرُ ترَفُقا

ومنهم أبو عواض شيخٌ مُبَجَّلٌ
إذا قِيلَ من هذا تراهُ مُوفَّقا

بكلِ صنوفٍ في المكارمِ فائزٌ
أخو نخوةٍ جُودٌ وعفوٌ مُصَدِّقا

يجودُ بعفوِ بالفضائلِ فائزًا
ولم يثنهِ حُبُ البنينَ تَعلُقا

عفا راجيًا فضلَ الإلهِ بقُربةٍ
ولمْ يطلبِ المالَ الوفيرَ تَملُقا

فلجتْ جُموعُ الناسِ في ساحةِ السَّنا
دموعٌ على الخَدّينِ فَرْحًا تَدَفُّقا

بعفوٍ أماطَ الحُزْنَ والهمَّ موقِفٌ
بفضلِ أبي عواض كُفوٌ مُعْتِقا

سيبقى أثيرًا في التواريخِ مجدهُ
وفخرًا به كلُ الأعاريبِ تَنْطقا

فَعوّضَكَ اللهُ ما كنتَ راجيًا
وأبدلكَ الصبرَ الجميل ِ تَحَقُّقا

فيا آلُ عباد المروءةُ فِيكُم ُ
أصلًا وفصلًا راسخًا ومُنَمَّقا

لم تأخذوها عن دعايةِ قائلٍ
في أرْثِكم تُروى وتَبْقى مَصْدِقا

الأستاذ بالجامعة الإسلامية وجامعة طيبة بالمدينة المنورة سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى