أليست ظاهرة تستحق التأمُّل العميق …؟؟؟!! حيث إن نقائص الإنسان هي حوافزه للنمو والتطور سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الأُسر أم على مستوى العشائر أم على مستوى المدن أم على مستوى الأمم.
إن الإنسان ينشط للحصول على ما هو مريحٌ أو لذيذ أو تجنُّب ما هو مربك أو مؤلم كما ينشط للتغلب على منافسين أو التفوق في مجالين أو إحراز إنتاج يرفع اسمه، ويبقى ذكره فهذا الذي يكافح لبلوغ قمة أفرست لا ينتظر شيئًا سوى إثبات التفوق.
ليس هذا فقط بل إن رغبة كل فرد بأن يكون مميزًا قد دفعت الكثيرين إلى تبادل الكراهية والأحقاد لمجرد الغيرة أو الحسد.
ومهما بذل الفرد لتجنب الخصومات؛ فإن الناس لا يتركونه ومثلما يقول المبدع جبران خليل جبران:
(مهما كنتَ رائعًا وكريمًا ستجد من يكرهك لأسباب لا تعرفها)
ومما يلائم ذلك أنني قبل ثلث قرن قرأت في أحد كتب الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري أنه ممتن لأعدائه الذين أثاروه وحفزوه، وليس لأصدقائه الذين جاملوه فأناموه؛ فالأعداء دفعوه إلى الارتقاء بقدراته وتنمية معارفه، والعناية بشحذ كفاياته.
“التويجري” بعد نضجه كان يفيض بالشكر والامتنان ليس لأصدقائه الذين أراحوه، وإنما لأعدائه الذين استفزوه وحفزوه إلى التفكير الجاد والتثقف العميق.
وبهذا نرى أن أغرب مظاهر الحياة البشرية أن نقائص الإنسان واحتياجاته ونوازعه وعداواته ومنافساته وأحقاده وآماله هي التي تدفعه إلى الإبداع والابتكار والعمل والإنجاز؛ فالإبداع الشعري العربي على سبيل المثال أغلبه في الفخر أو في الهجاء أي مدح الذات وانتقاص الآخرين.
إن التنافس بين الأفراد والصراعات بين الأمم هي التي تحفز إلى التخطيط والعمل والابتكار والإنجاز .
إن العقل جهاز سلبي فلولا العواطف والانفعالات لما تحرك الإنسان.. إن أغرب ظواهر الحياة البشرية أن مزايا الإنسان جاءت نتاجًا لنقائصه.
1
من المحمود أن يرتكب المرء هفوات و يقع في المحظور ، حتى يعود إلى جادة الطريق القويم و هي ميزة فضله الخالق بها عن باقي الأنام.
رفيع المستوى كعادتك أستاذنا الجليل البليهي.