الجودة هي أحد المبادئ التي دعا إليها القرآن الكريم، وأكدت عليها السنة النبوية المطهرة. قال تعالي: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ۚ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) (سورة النمل الآية: 88)
وعن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه» رواه البيهقي.
ولا شك أن توفر معايير الجودة شرط أساسي في نجاح أي عمل فما بالك عزيزي القارئ بقطاع مهم وحيوي يشهد نموًا كبيرًا في السنوات الأخيرة، ويحظى بدعم لا محدود من قيادتنا الرشيدة .
فالجودة هي معيار الإتقان الذي يجب ممارسته عند القيام بأي أداء، والتي يجب الحرص عليها حتى في أبسط الأعمال.
وقطاع الحج والعمرة يندرج ضمن تصنيف الجهات الخدمية؛ حيث إنه يقدم خدمات متعددة للحجاج والمعتمرين تشمل: النقل، السكن والفندقة، التغذية، الرعاية الصحية، الأمن والسلامة، التوجيه والإرشاد، وغيرها من الخدمات.
فمن هذا المنطلق فإن تحقيق جودة الأداء والتميز في الخدمات ينبغي أن يكون هدفًا إستراتيجيًا لدى جميع الجهات العاملة في القطاع؛ لكي تُحقق تطلعات المستفيدين في مستوى الخدمات المقدمة لهم .
أما بالنسبة للجودة في قطاع الحج والعمرة، فإنه يقترح من قبل المختصين في هذا المجال تبني مدرستين من مدارس الجودة تكملان بعضهما البعض، هي:
* تطبيق المواصفات الدولية في نظم إدارة الجودة (ISO 9001:2015).
* وتطبيق إدارة الجودة الشاملة في عمليات التحسين المستمر، وكذلك في إعادة هندسة الإجراءات.
والاختيار لهاتين المدرستين تساعدان في تحقيق الأهداف التي تسعى لتقديم أفضل خدمة للمعتمر والرقي فيها وكسب رضاه في ظل ازدياد أعدادهم عامًا بعد عام، وترتكز على عدة محاور أهمها التزام جميع العاملين بتحقيق غايات وأهداف المنشأة الموثقة والمعلنة.
-التزام الجميع بالقيم الموثقة والمعلنة التي تحكم العمل وتوجهه.
-تحديد المسؤوليات بوضوح، فكل فرد يعرف ماذا يعمل، وما هي حدود مسؤولياته وصلاحياته.
– الاستفادة المثلى من الموارد المتاحة .
– الكفاءة والسرعة في إنجاز العمل؛ حيث إن الإجراءات واضحة وموثقة، ولا مجال للتجريب.
– تقليل الأخطاء نظرًا لكون كل نشاط يمضي وفق تخطيط واضح، ومجرب، والكل يعرف دوره في كل عملية مهما صغرت، فلا مجال للاجتهاد.
وغيرها …
لذلك فإن المؤسسات وشركات العمرة ومقدمي الخدمة بكل القطاعات حريصون على تطبيق معايير الجودة لتقديم أفضل خدمة .
والعديد من الجهات العاملة في قطاع الحج والعمرة مثل شركات الطوافة وبعض شركات النقل وبعض الإدارات والأقسام في وزارة الحج والعمرة.. قد قاموا بالفعل بتطبيق المواصفة الدولية الأيزو 9001.
ومع تحول مؤسسات الطوافة إلى شركات مساهمة فلا بد من إعادة تأهيل هذه الكيانات الجديدة لشهادة المواصفة. كذلك لا بد من تعميم تطبيق المواصفة لدى جميع الجهات العاملة في مجال خدمة الحجاج والمعتمرين، مثل: مؤسسات وشركات العمرة، شركات نقل الحجاج والمعتمرين، الفنادق وشركات الإسكان، شركات التغذية، وغيرها من الجهات التي تقدم الخدمة للمعتمرين؛ لذلك الدولة -حفظها الله- حريصة جدًا على تطبيق معايير الجودة في كل قطاعاتها ومن أبرز وأهم هذه القطاعات قطاع الحج والعمرة، وأستشهد بأهمية هذه الجزئية من خلال انعقاد عدة مؤتمرات وطنية للجودة، أبرزها المؤتمر الوطني السابع للجودة الذي نظمته الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة، والذي انعقد في جدة في مطلع عام 2020.
الذي ناقش عدة محاور من أبرزها : الجودة ورؤية 2030، والإستراتيجية الوطنية للجودة، وعلاقة الجودة بالتنمية المستدامة، إلى جانب استعراض البنية التحتية الوطنية للجودة، والقدرات والكفاءات الوطنية في الجودة، وكذلك محور جودة خدمات الحج والعمرة، وبرامج وجوائز الجودة الوطنية، والجودة وأثرها في المؤشرات التنافسية العالمية.
وحفّزت جائزة الملك عبد العزيز للجودة التي تُعتبر من أهم الجوائز الوطنية التي أنشئت بهدف تحفيز القطاعات الإنتاجية والخدمية؛ لتطبيق أسس وتقنيات الجودة الشاملة من أجل رفع مستوى جودة الأداء، وتفعيل التحسين المستمر لعملياتها الداخلية، وتحقيق رضا المستفيدين.
ولا شك أن اهتمام الدولة بتطبيق معاييرة الجودة في قطاع الحج والعمرة سينعكس بشكل إيجابي على الخدمات، ويرتقي بها في ظل التوسع باستقطاب المزيد من المعتمرين عامًا بعد عام، وهي أحد مستهدفات رؤية المملكة 2030.
لذلك فإن قطاع الحج والعمرة مقبل على تطور كبير في ظل اهتمام الدولة -أيدها الله- بهذا القطاع خصوصًا أن ضمن أهم مستهدفات الرؤية 2030 هي زيادة أعداد المعتمرين والحجاج، ومن أجل تحقيق هذا الهدف لا بد من الاهتمام بجودة الخدمة؛ لذلك كان هناك العديد من القرارات التي تصب في هذا المجال منها: تحويل مؤسسات الطوافة لشركات مساهمة مغلقة وسن العديد من الأنظمة والتحفيز لما في ذلك من فائدة على الصعيد الاقتصادي والسياحي، وفتح فرص عمل كبيرة للشباب والفتيات في هذا المجال سواء بوظائف دائمة أو موسمية .
ولعل استخدام التقنيات والذكاء الاصطناعي ومواكبة التطور التقني عالميًا سيسهم في تنظيم العمل وتجويده وسهولة تطبيق معايير الجودة بشكل أفضل، وهو ما تسعى له كل الجهات العاملة في هذا القطاع؛ ليكون رافدًا اقتصاديًا مهمًا حاضرًا ومستقبلًا -بإذن لله تعالى-.