المقالات

حياة ماعز .. والبغاء الفكري

تلاقح التيس بليسي والماعز بلوشي، ولعل لكل منهما من اسمه نصيبًا في فيلم “حياة ماعز” يجسد صورة من صور البغاء الفكري في الفن التجاري المُسيس وينتج مواليد سفاح مجتمع شاذ، ولا يُمثل الحقائق ولو في أبسط صورها، وحينما يجتمع التيس والماعز فلا بد من تواجد قطيع من البهائم، ويحظى بأرض إنتاج المزيد من البهائم والتي لا يعيش فيها إلا القطيع المتماثل، هذا بإيجاز بسيط وأمين، ولن أتطرق للتفاصيل التي لا تهم العقلاء. فنحن تعوّدنا منذ الطفولة في هذا الكيان وعلى هذا الثرى المبارك على معايشة مواقف كثيرة إيجابية تصب في مصلحة الإنسان وضمان حقوقه القانونية والإنسانية، وترسخت ولله الحمد كفطرة تتوارثها القيادة قائدًا بعد قائد، وتعمل على صيانتها كدستور وأجندة عمل على مدار الساعة، ومسرح الحياة اليومية أصبح حدثًا حافلًا ومليئًا بمفاهيم الإنسانية المجسّدة لصون كرامة الإنسان والعمل على إسعاده، وتحقيق كل ما يؤمن له حياة شريفة، هذه مقدمة مختصرة ومعايشة وجدتها مدخلًا للرد على تلك الحملات المسعورة التي تنتهج اليوم، والتي تستهدف هذا الوطن المعطاء؛ حيث نلمس عن كُثب مدى التناقض الذي تعيشه تلك الحملات وأولئك المهوسون بعدائهم لهذا الكيان، بهرطقات شكلية تستند في توجهاتها على رؤى مشخصة بحتة ومسيسة بخبث ودهاء ماكر، وأحداث عابرة ومواقف طارئة، وأنها بالتالي عمل من لا عمل له تغض الطرف عن كوارث هناك مدمرة وتختلق هنا كوارث من لا شيء، بل في كثير من الأحيان هي تكتلات يجتمع تحت مظلتها معظم من تمقتهم مجتمعاتهم، وترفضهم الإنسانية الحقة ..

هذه حقيقة أسوقها وأنا متأكد من صحتها مثلما أنا متأكد من (اسمي ) ولو استطردت الأدلة لطال بي المقام، ولكن تخوفًا من أن يفسر ذلك بالاتهام والاتهام المضاد، أجدني أبتعد قدر المستطاع عن إيراد الأمثلة التي تؤكد أن أولئك المهووسين بحب الظهور وقمع الآخرين هم أبعد ما يكون عن حقوق الإنسان، وأن في محيطهم مما يهين كرامة الإنسان ويعد أكبر جُرمًا وأحقر موقفًا مما يتهمون به الآخرين، فهم يُطالبون بحقوق الإنسان في دولة ( ما ) وفق منظور خاص يلبس دثار المجموعة، فإذا دافعت تلك الدولة وبررت ساحتها، اندفع بهم الهوس إلى اختلاق أكاذيب أخرى، وهكذا دواليك .. وحقوق الإنسان هنا في المملكة العربية السعودية، كما أوضح ولاة الأمر في كل حدث ومناسبة أكثر صونًا وكرامة من أي موقع آخر، ويكفينا أن ديننا الحنيف الدين الإسلامي، الذي كرّم الإنسان ذكرًا أم أنثى عربيًّا أو أعجميًّا، أشرقت أنواره من هذه الربوع الطاهرة، فحارب الجهل وحطّم الوثنية، وحث على كل بواعث الرفعة والعزة والكرامة، وحث على العمل وحارب البطالة، وكان الدين الإسلامي بكل المقاييس الداعم الأول على حفظ حقوق وكرامة الإنسان، حقائق وثوابت لا نسوقها كلام أجوف، بل واقع نعايشه أجيالًا متعاقبة وحقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية ليست فرمانات ولا يافتات إعلامية بل ثوابت راسخة ومبادئ متأصلة، جاء بها دين الإسلام، ثم جددها الملك الموحد ـ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -رحمه الله-؛ حيث أعلنها مدونة قبل أكثر من مائة عام، قبل أن تلد منظمات حقوق الإنسان، قالها بصوت عالٍ ومجلجل طاف أرجاء البلاد: (من كان له مظلمة فليرفعها إلينا، كي نرد له حقه) قالها قبل أن يدعي اليوم من يدعي أنه وصي على حقوق الإنسان، قالها عبد العزيز وفعلها لأنه لم يكن ليجامل أو يداهن، ثم سار من بعده أبناؤه البررة إلى عهدنا الزاهر عهد سلمان الحزم والعزم، وحقوق الإنسان في المملكة أكثر صونًا وأكثر حرية ..

في المملكة العربية السعودية حرية مطلقة للإنسان خطها الأحمر هو ما قد يلحق الأذى به أو بآخرين، أنت حر أيها الإنسان شريف لك مطلق الحرية في أي مجال، ما لم تجنِ بتلك الحرية أذى لك أو للآخرين، سر في الشارع لن يقول أحد لك من أنت مالم تكن مخالفًا لأنظمة الدولة أو مخالفًا للمبادئ والأعراف أو تسيء إلى ذائقة الناس أنت حر فيما تزاوله، إذا كنت لا تزاول غشًا أو تدليسًا، أنت حر فيما تخترعه إذا لم تكن تسيء للآخرين أو تعتدي على حقوقهم، أنت حر في أفكارك وأطروحاتك، إذا كانت لا تمس القيم والعقائد وتنتقص من حقوق الآخرين، أنت حر … وأنت حر…. في كل مجال إذا أدركت أن حريتك من حرياتهم، وحريتك تنتهي عند بداية حرياتهم..

تُعد المملكة العربية السعودية، وهذا الأهم وحسب كافة التقارير الإقليمية والعالمية أقل دول العالم وقوعًا للجريمة حتى وإن بدأت تنشر عبر الصحف المحلية، علمًا بأن قرابة (13 مليون) شخص هم من المقيمين للعمل في المملكة، ومثلهم يفد إليها في العام للحج والعمرة والزيارة، ومع ذلك تظل معدلات الجريمة منخفضة جدًّا بفضل الله، ثم بفضل تطبيق حدود الله على الجميع دون تفرقة، سيما إذا علمنا أن من يقيم بيننا من إخوتنا الوافدين تختلف مشاربهم ولغاتهم بل وحتى دياناتهم، ومع ذلك يعيشون عيشة في عرف كثيرًا منهم هي أنعم وأرغد من المجتمعات التي وفدوا منها، وبما أن في المملكة قرابة سبعة ملايين مقيم حقوقهم هي حقوق المواطن، أجور سكناهم كالمواطنين وسائل المواصلات المواد الاستهلاكية، رسوم الخدمات من ماء وكهرباء وهاتف ورخصة سير هي نفس الرسوم المحصلة على المواطن، لا تفرقة كما يعملها كثير من الدول، التي تمنح مواطنيها خصومات تصل إلى 50% عن غيرهم أو بمعنى أصح تضيف على الوافدين رسومًا في شتى مناحي الحياة والخدمات العامة..

في المملكة العربية السعودية نظام الكفيل، والذي يتعرض هذه الأيام لحملة تشكيك وهذا النظام واقعيًا أثبت جدواه، سيما وأنه يخضع بين فترة وأخرى للمراجعة والتحديث، ففي المملكة العربية السعودية حقوق الوافد مكفولة ماديًّا ومعنويًّا، وثبت أن نظام الكفيل حفظها وأمنها حتى في أسوأ الظروف لا سمح الله، رأينا كيف كانت ترحل مئات الألوف من العمال من بعض الدول دون صرف حقوقهم، أو أنهم يعودون في توابيت محنطة؛ لأن نظام الكفيل العادل كان غائبًا، أما في المملكة العربية السعودية فبالعكس ـ بالمناسبة سأذكر هنا مثالًا واحدًا؛ لأنني أعلم جيدًا أن الجميع يدرك واقعيته ومصداقيته وعلاقته بالموضوع ـ اختلف أحد الوافدين مع كفيله ـ واضطر إلى شكوى الكفيل أمام جهات الاختصاص ـ وبعد المداولة صدر الحكم بتسليم الوافد كامل حقوقه بعد بعض الخصومات، والتي كانت حسب بنود العقد وبرضا الطرفين، وبكى ذلك الموظف بكاءً شديدًا، استغربه أعضاء اللجنة وكانوا يعتقدون أنه أحس بظلم، فاقترب منه مقرر اللجنة وناطق الحكم، سائلًا عما يبكيك، قال: نحن أخوان عملنا في بلدين شقيقين، ها أنا سأخرج ومعي حقوقي ومقدارها أكثر (من عشرين ألف دولار) مع مئات الآلاف من أبنائي جلدتي، أما أخي الآخر فقد عاد مع مجموعة من زملائه من بلد آخر إلى بلدي في تابوت محنط، لم نستطع التعرف على شخصه مما آلت إليه الجثة -يرحمه الله- من تشوه وعفن أما حقوقه فلا تسألوني عنها، واليوم وأمام عدالتكم أجدني أبكي من غير شعور، وهل هذا هو استذكار لتلك المواقف المحزنة أم هو فرح بهذه العدالة المميزة، لقد كان المرعوب يعمل تحت نظام الكفيل بهواجس تلك المراحل المأساوية التي اعتقد مروجوها أنهم يسعون إلى الحرية وضمان حقوق الإنسان، ووجد حقوقه المادية والمعنوية كاملة دون نقصان تحت مظلة نظام الكفيل الذي تطبقه كل دول العالم لكن بطرق في أغلبها ظاهرها الرحمة وباطنها السم الزعاف .

يفد الوافد إلى المملكة بمفرده، وما هي إلا فترة وجيزة ويستدعي أسرته ويجد في المملكة، الموطن الآمن، والعدل المنزهة والتعامل الذي افتقده في كثير من أمصار العالم، ومع ذلك تعاني المملكة كل عام من متخلفي العمرة والحج والزيارة، وبقائهم في المملكة بعد أن ينتهوا مما قدموا له، وهذا لما وجدوا من الأمن والأمان، وتوفر مسلمات الحقوق بحدودها العليا ولله الحمد، لذلك فحقوق الإنسان في المملكة ماديًا ومعنويًا مضمونه وكرامته مصانة وأمنه متوفر وعيشه في رغد وحريته مطلقة؛ فماذا يريد الناعقون، إذا ظهروا لنا بين فترة وأخرى (بدم الذئب المكذوب) وماذا يريدون من بلد آمن وشعب متلاحم وإرادة قوية قادرة على كشف زيف وألاعيب أولئك المرجفين، أذكر بمناسبة الفيلم الممجوج وفي تلك الفترة تصريحًا لصاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية -رحمه الله-، والتي تأتي دومًا تأكيدًا لضمان حقوق الجميع وتأصيلًا لتلك المبادئ والقيم حينما قال: (لا أمر ولا أقسى عليَّ من أن أسمع بأن أحدًا قد استغل منصبه في إلحاق الأذى بالآخرين، وأكّد سموه أنه لا ينام حتى يعاقب من تسول له نفسه مثل ذلك) ذلك هو شعار كل مسئول على هذا الثرى المبارك؛ لذا كانت المملكة بلد الأمن والأمان، والذي يعرفه القاصي والداني، عدا أولئك المكابرين والذين في قلوبهم مرض، فنار حقدهم مشتعلة، لكن لأنهم يفتقدون وقود المصداقية فسرعان ما تنطفئ بعد أن يأكل بعضها بعضًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى