يتفاوتُ القُرَّاء، وتتفاوتُ درجاتُ تعاملهم مع المقروء مابين الفهم والإلمام، أو الغموض والإبهام، وبناءً على الثاني قد يحصل التأويل والتحريف في المعاني؛ لذلك، أن لا تجعل من صفحات حياتك كتابًا مفتوحًا هذا ضَرْبٌ من الذكاء، وأن تضع على غلاف أسرارك (ليست للنشر) حمايةٌ لها ووِقاء؛ فكثيرٌ من التجارب أثبتت – بما لا يدع مجالًا للشك – عِظَمَ الجُرْم الذي يرتكبه الإنسان في حق خصوصيته وهو يظهرها علنًا لبعض من غلبته نفسه على الثقة فيهم؛ فاحتلوا منها مكانًا، وحظوا فيها بمكانة، ثمَّ ما إن تمكنوا من ذلك حتى رفعوا عن تلك الخصوصية الستار، وكشفوا عن الخبيئة الأستار. وأهونُ المصائب التي قد تجرُّها ثقتك المفرطة فيمن حولك؛ أن أجمل خصالك وردود أفعالك التي ينطوي عليها ما تحكيه لهم من مواقف، أو تستعرضه أمامهم من أسرار، قد يُنظَرُ إليها بشكلٍ مغلوط، أو تُفَسَّرُ بصورةٍ مشوهة؛ فيحيلون بذلك ملامح قوتك التي تعتدُّ بها إلى نقاط ضعفٍ يعيِّبونك بها ويعيِّرونك في لحظة خلافٍ أو موقف اختلاف، بل ويجعلون منك حينئذٍ محط احتقارهم وازدرائهم، وستجد نفسك حينئذٍ مخطئًا كل الخطأ في نشر تلك الصفحات واستعراض تلك الأسرار أمام من لا يجيد القراءة، ولا يحسن فهم المعاني. وإن سمحت لي أن أزيدك من الخوف جرعة سأقول لك أن تعييبهم ربما ينعكس عليك سلبًا إن لم تكن ثقتك في نفسك كما ينبغي؛ فتستجيب لضغطهم واستفزازهم، وتسارع إلى تبديل الحال، وتغيير تلك الخصال؛ لتتواءم مع عقولهم، وتتلاءم مع مستوى فهمهم، تمامًا كالكاتب الذي يمحو ويزيل ويسعى إلى التعديل نزولًا عند رغبة نُقَّادِه، ويصدُقُ عليك وقتها قول الفيلسوف: (يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك ثم يقولون هذا أنت، لا يا عزيزي، هذا ليس أنا، هذا ما تريده أنت).
0