المقالات

معجزة التعليم الفنلندي!!

أصبح العالم كله يشيد بالنظام النموذجي للتعليم الفنلندي؛ إذ استطاعت فنلندا بزمن قياسي أن تتصدر قائمة أفضل النظم التعليمية في العالم، متقدمة على الولايات المتحدة الأمريكية، وكبرى دول الاتحاد الأوروبي.
قامت فنلندا بابتكار نظام تعليمي جديد؛ انطلاقًا من إيمانها بأن أهداف التعليم تكمن في بناء اقتصاد قوي، والمحافظة على تقاليد وثقافة الشعب الفنلندي.
ووفقًا لاستطلاع التقييم الدولي للطلاب الذي تقوم به منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية من أجل تقييم الطلاب في مواد العلوم والرياضيات والقراءة ( (OECD؛ فإن التعليم الفنلندي أصبح من أفضل النظم التعليمية ومن العشرة الأوائل في العالم.
يقول الأب الروحي للتعليم الفنلندي الدكتور “راسي سلبرج” في كتابه “الدروس الفنلندية”، عمَّا يسمى بالحركة العالمية لإصلاح التعليم (Global Education Reform Movement)، والمعروفة اختصارًا (GERM)، وتعني باللغة الإنجليزية “الجراثيم”: إن أول خطوة اتخذتها فنلندا للنهوض بالتعليم لديها هي التخلص من (الجراثيم)، ووضع أساليب بديلة قام عليها التعليم الفنلندي تتمثل في:
الأولى: كثافة المواد، إنها إحدى أهم العوائق التي كان يتصف بها التعليم، وفق قاعدة التعامل مع الطالب، بالكم، وليس بالكيف.
الثانية: كثرة الاختبارات، والامتحانات، لقد فعلوا خيرًا في الطالب-والكلام للدكتور راسي- بإبعاد الطالب عن شبح الاختبارات، والامتحانات المرعب.
الثالثة: إطالة ساعات الدوام، والتي تؤدي إلى إنهاك الطالب ذهنيًا، وإرهاقه جسديًا، وضعف التركيز لديه.
لذلك تعتبر فنلندا هي الأقل في عدد ساعات الدوام المدرسي في العالم، إضافة لمنع الدروس الخصوصية في المنزل حيث ترى فنلندا أن للطالب الحق في الاستمتاع بوقته خارج المدرسة؛ أدى ذلك لتخفيض عدد ساعات الدراسة للطالب؛ لأن ساعات التعليم الصباحية كافية لإنجاز المطلوب، وأصبح الطالب الفنلندي الأقل قلقًا والأكثر إبداعًا بين الطلاب الدوليين.
وركزت سياسة التعليم في فنلندا بشكل أساسي على العُمق في مضمون المادة الدراسية، بدلًا من زيادة المضمون، والمعلمون يعملون في الفصول لمدة أربع ساعات يوميًّا، وعشرين ساعة أسبوعيًّا، نصف هذه الساعات يقوم فيها المدرس بإعداد المناهج الدراسية وتقييم الطلاب.
الرابعة: هي المواد المعقدة التي لا ينتفع منها الطالب؛ لأنها لا تنفعه في واقعه أو في ميله واتجاهاته، وهي ما يطلق عليها الدكتور “راسي سلبرج” بوصف المعرفة المعزولة، ويعني بالمعرفة المعزولة تلك المعلومات التفصيلية التي لا يتداولها إلا أهل التخصص الدقيق.
الخامسة: إدراج المواد الضرورية في النظام التعليمي لتنمية شخصية الطالب وتعزيز إبداعه؛ من هذه المواد مهارات التواصل، وتعليم الأخلاق وضوابط المجتمع، والتي تعد ضرورية في بناء شخصية الطالب، وخلق التوازن النفسي الاجتماعي لديه، وتحضره ليكون فردًا فاعلًا في المجتمع.
السادسة: انتقاء أفضل المدرسين وإعطائهم مساحة واسعة للحرية والإبداع، لأن مهنة التدريس في فنلندا تُعد الأكثر تطلبًا وانتقائية، لأن مستقبل البلد بأكمله يقف على عاتق المدرسين.
فيجب على أي مدرس في فنلندا أن يكمل درجة الماجستير قبل ممارسته المهنة، كما يخضع لعملية تقييم صارمة، واختبارات متعدد للتأكد من كفاءته التدريسية.
السابعة: دعم البنية التحتية للمدارس بأحدث وسائل التعليم التفاعلية والترفيهية للمدرسين بهدف دعم مهمتهم في تعزيز الحس الإبداعي لدى الطلاب؛ كما يشمل الدوام المدرسي على فرص متعددة للاستراحة يمكن من خلالها للمدرسين والطلاب ممارسة الرياضة أو تناول الوجبات الصحية أو التحدث مع زملائهم.
هذه هي (الجراثيم) التي تخلصت منها فنلندا، فتصدرت بذلك العالم في قائمة أفضل الأنظمة التعليمية.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى