المقالات

ذكرياتي مع حادثة جهيمان

مساء الأحد الماضي كنت أتابع حلقة توثيقية مميزة عن حادثة سطو الطغمة المارقة جهيمان ورفاقه على الحرم المكي الشريف؛ وذلك مع الإعلامي المميز أيضًا عبدالله المديفر في برنامجه “الليوان” حيث استضاف الأستاذ: عبد العزيز فالح الظاهري ابن العميد الركن: فالح الظاهري أحد أبطال قواتنا المسلحة الذين أبلوا بلاءً حسنًا، في تطهير الحرم المكي الشريف من براثن أولئك الخوانة الذين خانوا الدين والوطن، وقد أجاد في تقريب الصورة من الداخل بعد مرور 47 عامًا من الحدث، جددت تلك الحلقة مواجع ذكريات عايشتها شخصيًا مع أيام تلك الجريمة الشنعاء، حيث كنت في غرة محرم 1400هـ متجهًا من بيشة إلى الطائف عبر الخطوط السعودية، وكان بجواري أحد أبناء بيشة البررة من منسوبي قواتنا المسلحة، كان في بيشة للتمتع بالإجازة السنوية، ولكنه ذكر لي أنه قطعها في يومها الأول لوجود استدعاء عاجل له من قبل عمله بالطائف، واستجابة لنداء الواجب هب بلا تردد دون أن يعلم ما هو السبب. توادعنا في مطار الطائف وأعطاني رقم هاتفه للاتصال به وقت وجود فرصة لإجابة دعوة استضافه عنده، توادعنا وذهبت لدار عمي والد زوجتي، وطرقت الباب ولم يفتح لي إلا بعد تحقيق مفحم حيث لم يكن بالبيت غير النساء، ليعتذروا في الأخير ويخبروني بأن مجرمين استولوا على الحرم المكي الشريف وهم مفجوعون وخائفون، عندها تذكرت رفيقي في الرحلة واستنتجت سبب استدعائه بالربط بين ذلك والحدث، قررت الذهاب إلى أنسابي في معرضهم، وفي الطريق في التاكسي تصادف وقت أذان المغرب، وإذا به ينقل عبر إذاعة نداء الإسلام من مكة بمذياع التاكسي، وصلت للمعرض وجدت أنسابي في هدوء ووجلين من خلال استقبالهم الفاتر، سألتهم ماذا بهم، أخبروني بما سمعت في دارهم، رددت عليهم بغضب هذا كذب ولا يصدق، وأنا الآن سمعت أذان صلاة المغرب من الحرم، وإذا بأحد أقاربهم يعترض على كلامي بغضب ويؤكد أن والده اتصل به قبل ساعة يخبره، ويؤكد ذلك وأنه للتو خارج من فتحة المكيف وقد أنجاه الله، عدنا إلى المنزل على عجل وشاهدنا نقل صلاة العشاء بالتلفزيون، وتابعنا نشرة التاسعة مساء ولم يرد أي خبر إلا أننا لاحظنا عدم تقديم المسلسلة الليلية واستبدلت بأحاديث ليعلن بعد ساعة أن زمرة مارقة اقتحمت ساحة الحرم المكي الشريف بعد صلاة الفجر، وأنه يتم التعامل مع الحدث أمنيًا، لم ننم تلك الليلة وبعد صلاة الفجر. قررت أنا والصديق إبراهيم بن طاوي خال الأولاد أن ننزل إلى مكة المكرمة، لنكون متطوعين للذود عن مقدساتنا وكان ذلك في اليوم الثاني، وعند وصولنا إلى كدي كنا نسمع الطلقات النارية الكثيفة، طلب منا الانتظار لدخول مدرعتين ثم سمح لنا بالدخول من بعدها وعند تجاوز المدرعتين من تحت جسر كدي شاهدنا شهبًا نارية ملتهبة متجهة علينا مع صوت مجلل، وإذا بها قذائف تطلق من المآذن نحو المدرعتين خيل إلينا أنها متجهة نحونا مما أحدث لنا ربكة وخوفًا، شعر به رجال الأمن فطلبوا منا إيقاف السيارة والمشي على الأقدام، وكان المظهر محزنًا ومخيفًا سيما وأننا كنا إذا قدمنا إلى هنا نشعر بالأمان الروحاني الذي يضيف لأمننا العام الذي نعيشه طمأنينة أكثر راحة وسعادة، فإذا بنا تحت وابل من الرصاص، عرضنا أنفسنا تطوعًا على أحد الضباط الذي كان يأخذ مكانه خلف عمود خرساني، فشكرنا وطلب منا إذا أمكن مساعدة بعض رجال الأمن مع الحذر في العبور إلى أسوار الحرم أو العودة، لأن القناصة في المآذن كانوا يتقصدون رجل الأمن وسيارات الأمن والقوات الداعمة بالرصاص والقذائف، وقد تمركزنا أنا وأبو الوليد أمام مكتبة الحرم مهمتنا تطوعًا كما قبل منا ذلك بعد إلحاح على مضض تقتصر على مساعدة رجل الأمن، بقينا حتى المغرب قرابة 10 ساعات نشاهد الأهالي يتدفقون بالشوارع خروجًا من المنازل المحيطة بالحرم، في منظر لازالت كوابيسه تداهمني إلى اليوم عندما أتذكر هذه الجريمة، عُدنا إلى الطائف وفي صباح اليوم التالي عدنا لمكة مرة أخرى لنقوم بذات الدور، وصلنا إلى ذات الموقع لكن الوضع الأمني اختلف تمامًا؛ إذ أصبح المجرمون يستهدفون العسكري والمدني من المآذن على حد سواء ولا يفرقون بين رجل وامرأة وطفل، وكذلك السيارات المارة سواء مدنية أو عسكرية، وأصبح تبادل إطلاق النار كثيفًا يفوق الأمس وبالذات من وعلى المآذن، عندها لم نستطع تقديم أي عون بل أصبحنا عبئًا على رجال الأمن وطلب منا الانصراف، وعشنا بعدها أيامًا عصيبة وحزينة إلى أن أعلن عصر يوم 16 تطهير الحرم في مشهد حزين لما حدث فرحًا بما تم إنجازه وجلالة الملك خالد وسمو ولي العهد الأمير فهد وأصحاب السمو الملكي بأنفسهم في صحن الحرم لصلاة العصر، ويعلنون انتهاء الحادثة وفتح أبواب الحرم لعموم المصلين والمعتمرين قبل صلاة المغرب، وفي اليوم التالي 17 كنا ولله الحمد مع المصلين، وكان خطيب الجمعة يومها الشيخ/ عبدالله خياط -رحمه الله- حيث كان الجميع يجهش بالبكاء حمدًا لله ثم القيادة الحكيمة وفرحًا بتطهير الحرم من أولئك المارقين، وقد سجلت مشاعري بمقالة تحت عنوان: “وباء الخارجون بالفشل” نشرنها عكاظ بالزاوية المخصصة لها بالصفحة الأخيرة بدلًا من كلمتها المعتادة؛ وذلك يوم الجمعة 25/1/1400هـ ثاني جمعة بالحرم بعد الحادثة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى