المقالات

من سيكون الفائز..(الفيل) أم (الحمار)؟!

ونحن نعيش الانتخابات الأمريكية، يظهر التنافس الشديد بين (الحمار) و(الفيل)، وهما الرمزان اللذان يعكسان هوية الحزبين الديموقراطي (الحمار)، الجمهوري (الفيل)، في الولايات المتحدة الأمريكية، ويبرز ذلك دائمًا خلال فترة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي تجرى كل أربع سنوات؛ وتحمل هذه الرموز في طياتها تاريخًا عريقًا وأحداثًا لها أبعاد ومعانٍ في السياسة الأمريكية.
فمنذ أن تبنّى الديموقراطيون في بدايةً القرن التاسع عشر الميلادي (الحمار) كرمز لهم، وتبعهم الجمهوريون وتبنوا (الفيل) كرمز لهم في نهاية القرن نفسه، منذ ذلك التاريخ غدت هذه الحيوانات الأليفة مرآة تعكس الكثير من المُثل، والقيم السياسية، والأهداف التي يُجاهد كل حزب لتحقيقها.
وبطبيعة الحال فهذان الرمزان ليسا مجرد رموز خالية من المعنى، بل يعبران عن فلسفة سياسية أمريكية ومواقف أيديولوجية، كما يعبران أيضًا عن الأهداف التي يسعى المرشح الرئاسي الأمريكي الذي ينتمي إلى أحدهما لتحقيقها، وبدأت الرموز أول مرة في انتخابات عام 1835م؛ وأصبحت هذه الرموز بعدها تظهر في كل دورة انتخابية على شكل دعايات، ودبابيس للحملات الانتخابية، وفي الرسوم الكاريكاتورية السياسية.
استخدم الحزب الديموقراطي (الحمار) كرمز له أول مرة في حملة المرشح الرئاسي الديموقراطي حاكم ولاية فلوريدا “أندرو جاكسون”، والذي أصبح الرئيس الأمريكي السابع للفترة (1929م-1837م)؛ في ذلك التاريخ أطلق خصوم المرشح الرئاسي “أندرو جاكسون” عليه لقب (حمار)، في محاولة للنيل من سمعته، والسخرية منه، والطريف أنه بدلًا من أن يتجاهل المرشح الرئاسي للحزب الديموقراطي حينها “أندرو جاكسون” هذا التوصيف، قام بتبنيه كرمز لحملته الانتخابية في تلك الفترة، معللًا ذلك على أن رمز (الحمار) يعبر عن القوة والتحمل التي يتصف بها هذا الحيوان، وأصبح بعدها (الحمار) لعقود رمزًا معترفًا به على نطاق واسع للسياسة التي تمثل الحزب الديموقراطي الأمريكي، وقد كان للفنان التشكيلي الشهير المتخصص بالكاريكاتير السياسي، الأمريكي من أصول ألمانية “توماس ناست” والذي يعتبر أبو الرسوم الكارتونية الأمريكية الفضل في تعزيز هذا الرمز للحزب الديموقراطي، وذلك من خلال رسوماته الكاريكاتورية الرائعة التي قام بنشرها في أواخر القرن التاسع عشر في مجلة “هاربر” الأسبوعية الأمريكية التي تهتم بالأدب والثقافة، ومقرها في مدينة نيويورك.
أما رمز (الفيل)، فقد بدأ الحزب الجمهوري الأمريكي في استخدامه كرمز له في نهاية القرن التاسع عشر، ويعود الفضل في ذلك إلى الرسومات الكاريكاتورية للفنان التشكيلي نفسه “توماس ناست”، التي نشرها في مجلة “هاربر” الأسبوعية عام 1874م؛ حيث صور -ناست- “الفيل” كرمز يُمثل الحزب الجمهوري الأمريكي، والذي يرمز إلى القوة والاستقرار، وهو ما يتماشى مع القيم التي يسعى الحزب الجمهوري إلى تعزيزها، ومن يومها تبنى الجمهوريون (الفيل) كرمز لهم، وأصبح يظهر في حملاتهم الانتخابية.
ومنذ ذلك التاريخ إلى يومنا هذا، أصبح رمز(الحمار) ورمز(الفيل) جزئين من الهوية السياسية للحزبين الديموقراطي والجمهوري، محملين بالمعاني التاريخية والسياسية الأمريكية التي تُجسد أهداف وقيم ومبادئ كل حزب منهم، وبعد فترة زمنية قصيرة سيتضح للعالم من الفائز في الانتخابات الأمريكية الحالية (الحمار) أم (الفيل)؟

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى