المقالات

عندما يقتل الأمريكيون برصاص أمريكي.. إيجي مثالًا

ربما أن العالم لم يكترث كثيرًا لخبر مقتل الناشطة الأمريكية من أصل تركي أيسنور إيجي (24 سنة) على يد القوات الإسرائيلية خلال اشتراكها في احتجاج مناهض للاستيطان في قرية بيتا بالقُرب من نابلس في الأراضي المحتلة الجمعة الماضية. ويذكر أن إيجي كانت متطوعة مع حركة التضامن الدولية، وقالت آنا ماري كوكس رئيسة جامعة واشنطن في بيان لها بعد حادث مقتل إيجي: “جاء هذا الصباح خبر مروع مفاده أن القوات الإسرائيلية قتلت خريجة جامعة واشنطن آيسينور إيجي في الضفة الغربية. كانت آيسينور مرشدة في علم النفس ساعدت في الترحيب بالطلاب الجُدد في القسم ووفرت تأثيرًا إيجابيًا في حياتهم”. ويذكر أن إيجي ليست أول ضحية أمريكية تقتل على يد القوات الإسرائيلية، فقد سبق وأن قتلت تلك القوات بدم بارد الناشطة الأمريكية راشيل كوري عام 2003 – التي كانت تنتمي أيضًا إلى حركة التضامن الدولية – أثناء محاولتها منع جرافة إسرائيلية من هدم منازل فلسطينية. كما أن سجل إسرائيل الدموي في هذا المجال خلال السنوات القليلة الماضية يتضمن قتل الناشطة الأمريكية من أصول فلسطينية شيرين أبو عاقلة بشكل متعمّد. وقد أثبتت إسرائيل بهذه الجرائم الثلاث أنها لا تفرق بين الأمريكيين من أصول أمريكية خالصة، والأمريكيين من أصول أجنبية. بالطبع فإن ردود أفعال الحكومة الأمريكية على هذا الشكل من أشكال الخرق الإسرائيلي لمفهوم وأساسيات العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية، والتي غالبًا لا تتعدى الدعوة لإجراء تحقيقات دون المتابعة، يختلف بشكل كبير عن ردود الأفعال في حالة قتل أي شخص أمريكي على يد الفلسطينيين، حتى لو كانت حادثة القتل لأسير أمريكي لدى المقاومة أثناء محاولات إسرائيل المتكررة لتحرير أسراها من خلال العمليات العسكرية. حادثة قتل إيجي ومن قبلها شيرين أبو عاقلة وراشيل كوري تستوجب الوقوف عندها، فقد تمت عمليات القتل بطريقة متعمدة وبالرصاص الحي رغم أن إيجي كانت تشارك في مسيرة احتجاجية مسالمة، ورغم أن كوري كانت تحاول منع الجرافة الإسرائيلية من هدم منازل الفلسطينيين، ولم تكن تحمل سلاحًا أو ذخيرةً، ورغم أن أبو عاقلة كانت تؤدي مهمتها كمراسلة صحفية ترتدي ما يثبت أنها صحفية، وهذا دليل واضح على أن إسرائيل تنتهك القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، أما الحقيقة الصادمة فتتمثل في أن الذخيرة التي استخدمت في قتل أولئك الأبرياء هي صناعة أمريكية، وهذا يعني ببساطة أن إسرائيل تستخدم السلاح الأمريكي في قتل الأمريكيين أيضًا. ولم يقتصر استهداف الجيش الإسرائيلي للنساء الأمريكيات من أصول أمريكية أو أجنبية، بل شمل الاستهداف أيضًا الرجال من جنسيات عدة شاملًا ذلك العديد من الأشخاص بدءًا من الوسيط الدولي الكونت برنادوت وليس نهاية باغتيال فيتوريو أريجوني مرورًا باغتيال عالم الآثار الأمريكي الدكتور ألبرت جلوك عام 1992 الذي كان يشغل منصب رئيس قسم الآثار في جامعة بير زيت، ومؤسس أول معهد للآثار الفلسطينية في الوطن العربي. بيد أن أوضح وأكبر مثال على استخدام أمريكا للسلاح الأمريكي في قتل الأمريكيين هو ما حدث في السابع من يونيو عام 1967 عندما هاجمت إسرائيل سفينة التجسس الأمريكية “ليبرتي” التي كانت ترفع العلم الأمريكي في أكثر من موقع على متنها. ويصف ستيفن جرين في كتابه “الانحياز” ما حدث في ذلك اليوم بقوله: “كان هنالك ضباط أمريكيون في وقت الراحة يستمتعون بحمامات الشمس عندما ظهرت ثلاث طائرات على الرادار، ولم يكن هناك تحليق فوق السفينة كما سبق، وإنما قامت تلك الطائرات بالانقضاض على السفينة بسرعة كبيرة، غير معطية أدنى فرصة للمتواجدين على برج السفينة لاستخدام مناظيرهم، وعلى مدى 20- 35 دقيقة كانت ليبرتي تقصف من الجو بشكل مستمر. وسرعان ما انضمت طائرات الميستير المقاتلة للطائرات الثلاث في عملية الهجوم ، ملقية قنابل النابالم (الأمريكية الصنع) على السفينة”. وبلغ عدد الوفيات نتيجة ذلك الهجوم الذي رافقه هجوم بحري بالطوربيدات 34 فردًا و171 جريحًا. ورغم أن ليبرتي أرسلت استغاثة إلى الأسطول السادس إلا أن حاملتا الطائرات “أمريكا”، و”سارتوجا” لم تصلا لنجدة ليبرتي إلا بعد أن انتهت المذبحة، وكالعادة والمتوقع، قدمت إسرائيل اعتذارها لواشنطن، بأنه تم مهاجمة سفينة أمريكية بالخطأ، وكالعادة والمتوقع أيَضًا قبلت واشنطن الاعتذار!. ما سبق هو مجرد أمثلة لاستخدام إسرائيل الأسلحة والذخائر والرصاص الأمريكي في قتل رعايا ينتمون إلى أمريكا حليفها الأكبر ومصدر تسليحها الأساسي.

د. إبراهيم فؤاد عباس

مؤرخ ومترجم وكاتب - فلسطين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى