تُعتبرُ الملابِسُ التقلِيدِيّةُ اِنعِكاسًا لِقُوّةِ التمسُّكِ بِالهُوِيّةِ الوطنِيّةِ، فهِي أحدُ فُرُوعِ التُراثِ الثقافِيِّ المادِّيِّ، وتُعدُّ جُزءًا لا يتجزّأُ مِن ملامِحِ المُجتمعِ والمورُوثِ الاِجتِماعِيِّ؛ ولِهٰذا اعتزُّ الملِك عبدُ العزِيز آل سُعُود -طيِّب اللّٰهِ ثراهُ- فِي الزِيِّ العربِيِّ التقلِيدِيِّ، كما عرف عنهُ ببساطتهُ وحُسن ذوقِهِ فِي اِختِيارِ ملابِسِهِ؛ حيثُ كان يُعطِي مظهرهُ وملبسهُ أهمِّيةً.
وفي ذِكرى اليومِ الوطنِيِّ الـ 94 لِلمملِكةِ العربِيّةِ السعُودِيّةِ نستذكِرُ جُزءًا مِن هُوِيّةِ الملِكِ عبدِ العزِيز بِن عبدِ الرحمٰن آلِ سُعُود مُؤسِّسِ المملكةِ العربِيّةِ السعُودِيّةِ، والقائِدُ المُلهِمُ جِيلًا بعد جِيلٍ، وفِيما يلِي اِستِعراضٌ لِبعضِ الملابِسِ التقليدِية لِلملِكِ عبدِ العزِيز-طيِّبِ اللّٰهِ ثراهُ-:
أغطيةُ الرأس:
اِستخدم الملِكُ عبدُ العزِيز -طيِّب اللّٰهِ ثراهُ- فِي بِدايةِ حياتِهِ العِقال الأبيض المصنُوع مِن خُيُوطِ الصُوفِ البيضاءِ الملفُوفةِ على حشوةِ دائِرِيّةِ الشكلِ، يُمثِّلُ مُحِيطُها ضعف مقاسِ العُقالِ، لِأنّها تُثنّى لِتُصبِح دائِرتينِ فوق بعضِهِما، ثُمّ لبِس العِقال المُقصّب المُسمّى “بِالشُطفةِ”، والمصنُوعُ مِن الصُوفِ الأسودِ وخُيُوطِ الزرِّيِّ المعدِنِيّةِ الذهبِيّةِ اللونِ، وهُو مُكوّنٌ مِن عشرةِ أضلاعٍ، تُثنّى فِي طبقتينِ لِتُعطِي شكلًا خُماسِيًّا، يتكوّنُ كُلُّ ضِلعٍ مِن أسطوانتين رفِيعتينِ فوق بعضِهِما، تُغطّى حشوتُهُما، بِخُيُوطِ الزرِّيِّ المعدِنِيّةِ، فتضُمُّهُما مع بعضِهِما، وتبرُزُ خُيُوطُ الصُوفِ السوداءِ على شكلِ كُرةٍ بين كُلِّ ضِلعينِ، وتُصنعُ الشطفة محلِّيًّا فِي نجدٍ.
ملابِسُهُ الخارِجِيّةُ:
– المِقْطَع أو المُدرّعةُ: ويُمثِّلُ القِطعة الأساسِيّة فِي الملبسِ؛ ويُشبِهُ ثوب الرجُلِ الّذِي يُستخدمُ فِي الوقتِ الحاضِرِ، إِلّا أنّهُ أكثرُ اِتِّسـاعًا. ويتكوّنُ مِن: البدنِ (فِي الوسطِ)، والأكـمامِ (على شـكلِ مُسـتطِيلٍ)، والبنائِقِ (فِي الجانِبينِ)، والتخارِيصِ أو الخشاتِقِ (تحت الإِبِطِ)، أمّا عن مادّةِ صِناعتِهِ فكان يُصنعُ مِن القُطنِ الأبيضِ، وكانت فتحةُ الرقبةِ دائِرِيّةً ذات فتحةٍ طُولِيّةٍ صغِيرةٍ مِن الأمامِ، وتُغلقُ بِأزرارٍ كُروِيّةٍ صغِيرةٍ، مصنُوعةٍ مِن الخُيُوطِ أو القُماشِ، ويعملُ لِكُلِّ زِرٍّ مِنها عُروةُ خيطٍ خارِجِيّةٌ تُسمّى «دركةٌ»، أمّا «المُخباةُ» (الجيبُ) فكانت داخِلِيّةً تثبِتُ فِي الجِهةِ اليُسرى مِن الصدرِ، طُولُها حوالي (30 سم)، لها فتحةٌ طوِيلةٌ تحت الضِلعِ الأيسرِ مِن فتحةِ الصدرِ؛ بِحيثُ تسمحُ لِليدِ بِالدُخُولِ بِسُهُولةٍ. ويركبُ داخِلها «مِخباةٌ» صغِيرةً لِحِفظِ الساعةِ. أمّا فِي الشِتاءِ، فقد اِسـتبدل -رحِمهُ اللّٰهُ-، مقـطعُ القُطنِ بِمقطعٍ مِن قُماشِ الصُوفِ المُلوّنِ بِألوانٍ داكِنةٍ.
– الزبُون: وهُو جُبّةٌ مِن الصُوفِ، تكُونُ مفتُوحةً مِن الأمامِ ومِن الجانِبينِ مِن الأسفلِ وكذٰلِك مِن طرفي الكُمّينِ، وتُغلقُ بِأزرارٍ وعُرى مِن القِيطانِ فِي الجُزءِ العُلوِيِّ مِن فتحةِ الصدرِ، كما تـنهى وتُزيِّنُ جمِيع الفتحاتِ بِنفسِ القِيطانِ، وغالِبًا ما كان يرتدِيها الملِكُ عبدُ العزِيز فِي فصلِ الشِتاءِ فوق المِقْطَع.
– الثوبُ المرودِن: وهُو مِن ثِيابِ الزِينةِ، الّتِي اِرتداها الملِكُ عبدُ العزِيز -طيِّب اللّٰهِ ثراهُ- فِي شـبابِهِ، فِي المُناسـباتِ والأعيادِ، ويُشبِهُ المِقْطَع فِي خُطُوطِهِ الرئِيسِيّةِ ويتكوّنُ مِن نفسِ الأجزاءِ، إِلّا أنّهُ يتميّزُ بِأكمامِهِ الواسِعةِ المُثلّثةِ الشكلُ، والّتِي يتدلّى طرفاهُما إِلى الأسفلِ. ويعرِفُ هٰذا الكمُّ بِاِسمِ رِدن، وكان يصنعُ هٰذا النوع مِن الثِيابِ مِن نفسِ الأقمِشةِ الّتِي صُنِع مِنها المِقْطَع بِالإِضافةِ إِلى بعضِ الأقمِشةِ القُطنِيّةِ الخفِيفةِ البيضاءِ المعرُوفةِ بِاِسمِ الملمّلِ، أو الرِيزةِ أو التور، واِرتدى فوقهُ -خاصّةً فِي الشِتاءِ- البِشت أو الزبُـون ويسحبُ الرِدنينِ إِلى الخارِجِ مِن فـتحتِي كُمّي «الزبُونِ»، ويُوفِّرُ تعدُّد طبقاتِ الملابِسِ الدِفء أثناء البردِ القارِسِ فِي الشِتاءِ.
– البِشت أو المشلِح: وهُو مِن قِطعِ الملابِسِ الخارِجِيّةِ الأساسِيّةِ الهامّةِ، الّتِي كان يظهرُ بِها الملِكُ عبدُ العزِيز دائِمًا فِي جمِيعِ المُناسباتِ.
وكان يرتدِي البِشت فوق المِقْطَع على الأكتافِ، مع الاِحتِفاظِ بِطرفِ غِطاءِ الرأسِ مِن الخلفِ تحت المشلِحِ. ويترُكُهُ مفتُوحًا ومُنسدِلًا أثناء المشيِ، أو يلُمُّهُ ويُمسِكُهُ بِيدِهِ. وقد صنِع البِشت مِن الصُوفِ المغزُولِ والمنسُوجِ محلِّيًّا بِألوانِهِ الطبِيعِيّةِ، ويختلِفُ سمكُ الصُوفِ المصنُوع مِنهُ البِشت حسب الفصلِ الّذِي يرتدي فِيهِ؛ ففِي الصيفِ يرتدي النوعُ الخفِيفُ الشفّاف ويُسمّى “رهِيفٌ”، أمّا فِي فصلِ الشِتاءِ فكان يرتدي النوع السمِيك ويُسمّى “جبر”. وبينهُما يرتدي النوعُ المُتوسِّطُ السمك ويُسمّى بين البشّتينِ.
وبِالنِسبةِ لِلألوانِ فقد فضّل الملِكُ عبدُ العزِيز اللون الأسود (وكان يُسمّى الأملح)، واللون العُودِيّ، واللون الأبيض (وكان يُسمّى الأشقح)، والّذِي كان يُفضِّلُ اِرتِداؤُهُ يوم الجُمعةِ.
ومِن حيثُ التطرِيزُ والزخرفةُ، فقد اِرتدى الملِكُ عبدُ العزِيز -رحِمهُ اللّٰهُ-، بِشت الدربُوجة، وهِي مِساحةُ الزخرفةِ الموجُودةِ حول فتحةِ الرقبةِ ومِنطقةِ الجيبِ، والّتِي كانت تُطرِّز بِالخُيُوطِ المعدِنِيّةِ، ويركب على فتحةِ الأمامِ قِيطان الزرِّيّ والّذِي يتدلّى مِن الجِهتينِ على شكـلِ حِلِّياتٍ كُروِيّةٍ، ويُثبِتُ الأمام مع الخلفِ على الكتِفينِ بِتطرِيزٍ يُسمّى «عِصام»، وهُو يُشبِهُ البِشت المُستخدم حالِيًّا، ولٰكِن مع زِيادةٍ فِي كمِّيّةِ التطرِيزِ. وقد ظهر فِي إِحدى صُورِ الملِكُ عبدُ العزِيز، صورةً لهُ بِالبِشتِ المعرُوفِ بِاِسمِ بِشت «مُكسر»، والّذِي يصنعُ مِن الوبرِ الثقِيلِ، ويُزيِّنُ على الصدرِ بِمُكسّرِ أيِّ خطٍّ واحِدٍ مِن التطرِيزِ بِقِيطانِ الحرِيرِ حول الرقبةِ ومِنطقةِ الجيبِ في الصدر.
كما أنّهُ -رحِمهُ اللّٰهُ-، اِرتدى فِي بعضِ المُناسـباتِ العبـاءة البرقـاء، والّتِي اِنتشرت بِشـكلٍ واسِـعٍ فِي أنـحاءِ البِـلادِ لِما تُؤمِّنُهُ مِـن دِفءٍ فِي فصلِ الشِـتاءِ، وهِي تُحاكُ محلِّيًّا مِن صُوفِ الغنمِ بِاللونينِ الأبيضِ والأسودِ أو الأبيضِ والبُنِّيِّ على شكلِ خُطُوطٍ طُولِيّةٍ، ولِهٰذا تُسمّى بِالبُرقاءِ، وهِي مِن العباءاتِ القدِيمةِ المعرُوفةِ مُنذُ العصرِ الإِسلامِيِّ الأوّلِ.
– مُكمِّلاتِ الزِيِّ: كان -رحِمهُ اللّٰهُ- يرتدِي الخاتم الفِضِّي فِي الإِصبعِ الخِنصرِ، عليهِ اِسمُهُ «عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل الُعود»، ولهُ خاتمٌ آخرُ إِلّا أنّهُ قلّما كان يستخدِمُهُ.
– الأحذِيةِ: اِنحصرت فِي أنواعٍ محدُودةٍ، تتبعُ فُصُول السنةِ، حيثُ كان يرتدِي النِعال النجدِيّ، فِي الصيفِ، وكان يُصنعُ محلِّيًّا مِن جُلُودِ الحيواناتِ المدبُوغةِ ويُزيِّنُ بِالنُقُوشِ المُلوّنةِ، وفِي الشِتاءِ فكان يرتدِي «الكُندرة» أو المداس المعرُوفة بِاِسمِ «الحِذاءِ المدنِيِّ»، وتكُونُ بِدُونِ رِباطٍ.
ويتبين مِما سبق ذكرهُ:
– تميُّز لِباس الملِكِ عبدِ العزِيز -رحِمهُ اللّٰهُ- بِالبساطةِ وعدم التكلفِ.
– تميّز لباسه بِالاِتِّساعِ والطُولِ، واِستِخدامِ الأقمِشةٍ الخفِيفةٍ ذاتِ الألوانِ الفاتِحةٍ المُناسِبةٍ لِلبِيئةِ كالقُطنِ، أما في فصل الشتاء فكان يرتدي الألوان الغامقة، المصنُوعة من الصُوف.
– اِستُخدِم التطرِيز بِشكلٍ محدُودٍ جِدًّا ، أمّا عن الزخرفةِ، فكانت بِنفسِ لونِ الثوبِ أو بِلونٍ فاتِحٍ.
المرجع: البسام، ليلى بنت صالح، ملابس الملك عبد العزيز آل سعود، مجلة الثقافة الشعبية، ع4، 2009م، ص128-137.
• باحثة دكتوراة في الفلسفة في التاريخ والحضارة.