المقالات

في يومها الوطني الـ 94.. السعودية نجاحات متواصلة وإنجازات تاريخية ونهضة شاملة

تحتفل المملكة العربية السعودية في الثالث والعشرون من سبتمبر 2024 باليوم الوطني الـ 94 لتوحيدها. وتُعتبر رحلة توحيد المملكة واحدة من أبرز إنجازات الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود، طيب الله ثراه، ورجاله الأوفياء بعد ملحمة وطنية جمع بها شتات إرثه وإرث أجداده وضم هذه الأرض المباركة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها تحت كيان واحد وإسم واحد هو المملكة العربية السعودية، حيث تمكّن من إستعادة الرياض في عام 1902 ومن ثم توحيد مناطق شبه الجزيرة العربية تحت راية واحدة. وقد استغرق توحيد المملكة قرابة ثلاثين عاماً من الجهود الدبلوماسية والعسكرية، حتى تم الإعلان عن توحيد المملكة العربية السعودية في 23 سبتمبر 1932. ولقد كان التوحيد نقطة تحوّل تاريخية للمنطقة بأكملها، حيث أسس الملك عبد العزيز، رحمه الله، لدولة تقوم على المبادئ الإسلامية، وتحظى بالإستقرار السياسي والإقتصادي. وبهذا الإنجاز العظيم، تمّ إساء القواعد التي انطلقت منها المملكة لبناء نهضتها في شتى المجالات. وبهذه المناسبة الوطنية الغالية وبكل فخر وإمتنان وولاء لهذا الوطن العظيم ولقيادته الرشيدة، نرفع أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإلى صاحب السموّ الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، -حفظهما الله- وشعبنا الكريم.
وتأتي هذه الذكرى والمملكة العربية السعودية تمثل «أعظم قصة نجاح في القرن الحادي والعشرين»، بعد مسيرة كفاح خاضت خلالها المملكة معارك تنموية صعبة بهمّة وعزيمة لتبلغ ما وصلت إليه اليوم، في ظل القيادة الحكيمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، – حفظهما الله -، من مكانة عظمى بين دول العالم ونهضة حضارية شاملة حيث تُعدُّ منارة للمجد ومركزًا للقوّة وعنوانًا للتقدم والتطوّر والإزدهار السياسي والإقتصادي والدبلوماسي والإجتماعي والثقافي، والإعلامي والتكنولوجي؛ إضافة إلى المقومات الأصيلة التي تتمتع بها من ثقل إستراتيجي إقليمي ودولي، وموقع جغرافي وجيوسياسي متميّز، وثروات إقتصادية وبشرية هائلة، وتكنولوجيات حديثة ومتطوّرة، ومكانة دينية كقبلة للمسلمين في العالم أجمع.
إنّها «قصة هذا القرن» كما وصفها سمو ولي العهد -حفظه الله- مشيرا إلى إنجازات المملكة وريادتها في جميع القطاعات؛ فخلال سنوات قليلة، تمكنت القيادة السعودية من تطوير مختلف أوجه الحياة في المملكة لتجعل منها السعودية العظمى، بفضل إصلاحات تاريخية ورؤية تنموية طموحة رسمت ملامح مستقبل مشرق، عبر خارطة طريق تقود لنهضة شاملة في مختلف المجالات تضمنتها رؤية السعودية الطموحة 2030 التي إنبنت على ثلاثة محاور رئيسة وهي مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح، وشملت إصلاحات تاريخية ورؤية تنموية وإنفتاح نحو التحــوّل الإقتصــادي والنمو والإزدهار والقوّة والأمن والإستقرار، ومن ثم تحديثٍ شاملٍ للمجتمع السعودي بصورة جذرية هدفه الأول “أن تكون بلادنا نموذجاً ناجحاً ورائداً في العالم على كافة الأصعدة”، كما أكده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز–حفظه الله– بهذه الكلمات الحكيمة التي اختصرت رؤية المملكة وتطلعات وطموحات وأحلام قادتها وشعبها، ومثّلت منطلقاً لمسيرة التنمية الشاملة والإنجازات المتتالية والنجاحات المتعاقبة للمملكة بقيادة ولي العهد -وفقه الله-، الذي سخّر وقته وجهده وفكره، ووظَّف جميع الطاقات والقدرات والإمكانات بهمّة وتحدٍّ ليرتقي بمكانتها بين الأمم الصناعية والمتقدمة، وليحقق أحلام وتطلعات ورغبات جميع أبناء المملكة.
وعلى طريق الأحلام وبطموحات تعانق عنان السماء تجسّد الواقع وتمكنت المملكة بفضل سياساتها وحنكة وحكمة قيادتها من تحقيق معجزة وقطع أشواط مهمة على درب تحقيق التنمية المستدامة والتَمَوْقُع إقليميًا ودوليًا وقاريًا إذ تُعتبر اليوم من أكبر عشرين إقتصادًا بالعالم، وأكبر وأقوى إقتصاد بالشرق الأوسط، وأكبر مُصدِّر للنفط بالعالم، وهي ليس فقط عنصرا أساسيّا في الإقتصاد العالمي بل هي قوة إستثمارية في قلب الإقتصاد العالمي ومركزاً عالمياً لأهم الأحداث السياسية والإقتصادية والرياضية والثقافية والترفيهية، فضلا عن إستضافتها قمماً سياسية إقليمية ودولية. وهو ما مكّنها من الدخول إلى مجموعة العشرين الدولية ورئاسة قمة العشرين في 2020 تأكيدًا لمكانتها المحورية عالميًا، ولزعامتها للعالم الإسلامي وإلتزامها الأخلاقي والإنساني وللدور الريادي والمؤثّر للقيادة الحكيمة محلياً ودولياً، التي أثبتت للعالم أجمع أنّها الأقوى والأنجح في قيادة الجهود الدولية على جميع الأصعدة والتعامل مع الأزمات في أصعب الظروف سياسياً وإقتصادياً.
واستمرت مسيرة التقدم والتطور والنمو في مختلف المجالات، وعملت على الأسس الثابتة التي قامت عليها هذه البلاد المباركة من التمسك بكتاب الله وهدي نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم، والحفاظ على وحدة البلاد وتثبيت أمنها واستقرارها مع مواصلة البناء والسعي المتواصل نحو التنمية الشاملة. كما جاءت هذه الرؤية لتستكمل هذا النهج حيث تميزت بأنّها رؤية متكاملة ربطت بين الإقتصاد ومفهوم الوسطية الدينية والحفاظ على البيئة والسياسة الخارجية والعلاقات مع الدول، بوصفها قواعد ثابتة للعلاقات؛ إضافة إلى إلتزامها بجملة من المرتكزات والثوابت التي ميزت سياستها الخارجية دائماً وأهمها الإلتزام بالمعاهدات والإتفاقيات والمواثيق الدولية وتعزيز دور المنظمات العالمية واحترام مبدأ السيادة والرفض الكامل والحاسم لأية محاولة للتدخل في الشؤون الداخلية والدفاع المتواصل عن القضايا العربية والإسلامية ونصرة القضايا الإنسانية العادلة، والسعي الجاد لتحقيق التضامن العربي والإسلامي من خلال توحيد الصفوف ومواجهة المخاطر والتحديات فضلاً عن السعي لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العالم ورفض أية ممارسات تهدد الأمن والسلم الدوليين. كما التزمت الدولة بمكافحة الفساد والتطرف والإرهاب بجميع صوره وأشكاله والتصدي بكل حزم لمنطلقاته الفكرية وتوضيح مخاطره ومحاولاته زعزعة الأمن والإستقرار. وتمثل السعودية القلب النابض للأمة العربية، والركيزة الرئيسية لاستقرار المنطقة العربية والعالم وصمام أمان في مواجهة المخاطر والتهديدات ولجهود الحل السياسي، حيث تلعب المملكة عبر قنواتها الدبلوماسية المتوازنة وسياساتها المعتدلة دوراً محورياً في إرساء دعائم الاستقرار والسلام وحل القضايا والأزمات الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية واليمن والسودان وسوريا وليبيا، والدولية في أكرانيا وروسيا وتحقيق الأمن النهضة والتقدم لكافة شعوب العالم.
وتسعى المملكة إلى تحفيز الاستثمار الأجنبي في القطاعات المزدهرة مثل البنية التحتية والسياحة والترفيه والطاقة المتجددة وتهدف إلى أن تصبح مركزًا رئيسيًا للنقل والخدمات اللوجستية يربط بين آسيا وأوروبا وأفريقيا. كما حرصت على تحسين البيئة الاستثمارية لزيادة جاذبيتها للمستثمرين، وقدمت عدداً من المبادرات الاستثمارية العملاقة، تحت مظلة صندوق الاستثمارات العامة، والمؤسسات والشركات الرائدة. وتشمل مشاريع البنية التحتية المتعلقة بهذا الهدف إنشاء المدن والمناطق الإقتصادية الخاصة المختلفة، والتي ستكون بمثابة محاور للبتروكيماويات والتعدين والخدمات اللوجستية والتصنيع والصناعات الرقمية والخدمات اللوجستية وجذب سلاسل القيمة في الصناعات والتقنية، والتي ستكون مصدر قوة صناعية وإنتاجية تعزز المكانة العالمية للمملكة كمركز إستراتيجي بين قارات العالم، وقاعدة انطلاق صناعة السياحة الناشئة حيث تعتبر المملكة اليوم المكان الذي يتعرف فيه العالم على أحدث المدن والمواقع المتكاملة التي يتم بناؤها وفق أعلى وأحدث المعايير، ومنها نيوم التي تعد أضخم مدينة ذكية بتقنيات ستكون هي الأحدث على الإطلاق، أو القدية بوصفها المدينة الترفيهية غير المسبوقة من نوعها في المنطقة أو سلسلة الجزر التي تشكل مشروع البحر الأحمر وأحد أكبر المشاريع السياحية والبيئية المتطورة.
واستشعاراً لدورها الإنساني تجاه العالم، واستلهاماً من رسالتها في المحافظة على كرامة الإنسان؛ انطلاقاً من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، سخرت المملكة اهتماماً بالغاً في إغاثة المنكوبين ومساعدة المحتاجين، والمحافظة على حياة الإنسان وكرامته وصحته، ومد يد العون وتقديم الدعم والعطاء والمساندة للأفراد والدول الشقيقة والصديقة، من خلال مؤسساتها الإغاثية، ومنصاتها الخيرية. وحققت المملكة الريادة في حماية البيئة من خلال طرحها مبادرات محلية ودولية تعتمد على الطاقة النظيفة وتسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية، ومن أهمها مبادرتا السعودية الخضراء والشرق الأوسط الأخضر، والتي تؤكد التزام المملكة العربية السعودية بجهود الاستدامة الدولية، وتسهم في زيادة قدرات المنطقة على حماية كوكب الأرض من خلال وضع خطة ذات معالم واضحة تعمل على تحقيق جميع المستهدفات العالمية.
وفي الجانب العلمي، حققت المملكة عدّة إنجازات علمية عظيمة لعل أهمها إرسال رائدي فضاء إلى محطة الفضاء الدولية، ضمن برنامج المملكة لرواد الفضاء، لإجراء تجارب علمية رائدة في الجاذبية بما من شأنه أن يسهم في تعزيز مكانة المملكة عالمياً في مجال استكشاف الفضاء، وخدمة البشرية. وتتويجًا لتحقيق المستهدفات التنموية والإقتصادية والمجتمعية لرؤية المملكة 2030 الملهمة، عملت المملكة على تطوير القطاع الرياضي بإصدار قرارات هامة أحدثت تغييرات جذرية، ومنها مشروع الإستثمار والتخصيص للأندية الرياضية.
وفي ضوء ما تقدّم، يتّضح أنّ ما حققته المملكة العربية السعودية من إنجازات حضارية وتنموية، يصعب حصرها، ساهم في تعزيز مكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، كما أنّ بصماتها الواضحة في إدارة الملفات المحلية والدولية بتميّز وحكمة وإقتدار ساهم في ترسيخ وتعزيز دورها الريادي والمحوري والثقة الدولية التي تحظى بها، والذي يجعل منها وجهةً مثاليةً لإستضافة قمم عالمية وإقليمية ومحلية في تزامن مع أحداث دقيقة وحساسة ومنها قمة الرياض العربية الصينية للتعاون والتنمية، وأعمال الدورة العادية الـ 32لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى القمة (قمـة جدة)، وقمة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ودول آسيا الوسطي، والقمة السعودية الإفريقية الأولى والقمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية في مدينة الرياض؛ وكذلك إحتضان العالم في أبرز المحافل العالمية لعل أهمها معرض إكسبو الدولي 2030 وكأس العالم 2034. فهي مركز قيادي وواجهة دولية عظمى لاستضافة أكبر وأهم الأحداث العالمية في مختلف المجالات، بما تملكه من حنكة سياسية ومقومات إقتصادية وإرث حضاري وثقافي عظيم.
وفي الختام يمكننا القول بكل فخر وإعتزاز أنّنا مجتمع طموح وقيادة فاعلة “نحلم ونحقق”، ويرجع ذلك – بعد فضل الله وتوفيقه – إلى علاقة التلاحم والولاء الخالدة بين القيادة والشعب والإنتماء لهذا البلد الطاهر الآمين ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يديم هذه المسيرة الحافلة بالإنجازات، وأن يحفظ خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ووطننا العظيم.

د. حمزة بن فهم السلمي

أستاذ القانون الدولي العام - رئيس قسم القانون العام بجامعة جدة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى