القاهرة – محمد بربر
تُعدُّ سياحة المؤتمرات من أبرز التوجهات التي توليها الحكومة المصرية اهتمامًا كبيرًا في الآونة الأخيرة، خصوصًا بعد نجاح فعاليات دولية جرت على أرض الكنانة، إلى جانب استضافة مؤتمرات ثقافية وطبية وسياسية ومهرجانات فنية عالمية، في حضور شخصيات دولية.
واستضافت القاهرة خلال السنوات الأخيرة فعاليات بارزة على رأسها مؤتمر المناخ الذي عقد قبل أشهر قليلة، وكذلك المؤتمر الدولي للاتصالات، ومؤتمر الكوميسا، والمؤتمر الدولي لأمراض الأنف والأذن والحنجرة ومؤتمر الاتحاد الدولي لتكنولوجيا المعلومات والطبوغرافيا.
شخصيات دولية وتغطيات إعلامية عالمية
وفي أكتوبر من العام المنقضي، اختارت دار أزياء ستيفانو ريتشي العالمية، معبد الدير البحري، الذي شيدته الملكة حتشبسوت في أحضان جبل القرنة التاريخي بالبر الغربي لمدينة الأقصر التاريخية بصعيد مصر قبل قرابة 3500 عام، ليكون مسرحا للاحتفال باليوبيل الذهبي للدار، التي انطلقت عروضها من مدينة فلورنسا الإيطالية عام 1972، في حضور 350 شخصية ما بين ساسة وفنانين ومصممي أزياء ورؤساء تحرير صحف من مختلف بلدان العالم.
يقول الخبير السياحي وليد البطوطي، إن مصر نجحت في استعادة مكانتها في سياحة المؤتمرات، وكثفت من الفعاليات البارزة التي تستضيفها وفقًا للخريطة السياحية، في عدد من المدن، مشيرًا إلى أن المعدلات في الأشهر الأخيرة مرتفعة وفي زيادة بفضل هذه الفعاليات، خصوصًا بعد الانتهاء من المواسم المحددة التي تشهد قبولا كبيرًا من السائحين من مختلف دول العالم.
أضاف البطوطي، أنه يجب على المسئولين تكثيف الاستعدادات بشأن رحلات الطيران، والتعريف بقطاع السياحة عالميًا، واستضافة الشخصيات البارزة في المجالات المختلفة، وتقديم كافة أشكال الدعم لهم، لتستمر المنظومة في تنشيط القطاع، مشددًا على أن سياحة المؤتمرات من المفترض أن تكون المستقبل خصوصًا بعد نجاح مؤتمر المناخ أخيرًا، والذي لفت أنظار العالم إلى مصر، وهناك حاجة إلى وضع خطط وبرامج للتحفيز لجذب مؤتمرات ومعارض عالمية جديدة، وزيادة الاستثمارات الوطنية والأجنبية.
استثمار اقتصادي مضمون وسط منافسة عالمية
من جانبه، اعتبر الخبير السياحي علي كامل منصور، أن ما تشهده مصر من تطوير في قطاع السياحة أمر رائع، بعد سنوات من التراجع في معدلات السائحين، لاسيما أثناء تضرر العالم من فيروس “كورونا”، لافتًا إلى أنه يجب إشراك الشباب في تنظيم المؤتمرات لتحقيق النجاح والتعريف بقدرات ومكانة الدولة المصرية، مثلما حدث في مؤتمر المناخ، مشيدًا بما شهدته القمة من استعدادات كبيرة على مستوى القطاعات.
وبيّن أبو علي في حديثه لـ”صحيفة مكة”، أن سياحة المؤتمرات بمثابة الاستثمار الاقتصادي لتشغيل القطاع بشكل كامل، خلال الفترة المقبلة، وتابع “يجب أن يتم ضخ استثمارات بشكل أكبر في هذا النوع من السياحة، لأنه مضمون ودائم، والكثير من دول العالم تسعى إلى زيادة حصتها من عائدات صناعة المعارض والمؤتمرات، من خلال تطوير البنية الأساسية، وتقديم حزم من الحوافز والمزايا، سواء لجذب المعارض والمؤتمرات العالمية، أو زيادة الاستثمارات الأجنبية”.
وأكد رئيس لجنة “تسويق السياحة الثقافية” بالأقصر وأسوان، محمد عثمان، أن من أولويات التنمية التي تشهدها البلاد تسويق السياحة من خلال التعريف بالمزارات التاريخية والاكتشافات الحديثة، والاستفادة من البنية التحتية في المدن السياحية لإقامة المؤتمرات الدولية وحتى تصبح مصر في مصاف الدول التي تهتم بخريطة سياحة المؤتمرات والمعارض، لأنها تحولت من مهنة إلى صناعة ينفق عليها مليارات الدولارات سنوياً، لكنها الآن تسعى في هذا المجال، وحققت العديد من الإنجازات التي مكنتها من الحصول على ثقة المؤسسات الإقليمية والدولية لاستضافة وتنفيذ الفعاليات المختلفة على أرضها.
أضاف محمد عثمان، أنه عقب النجاح الذي حققته قمة المناخ يجب أن تواصل الحكومة دعم هذه الخريطة، مشيدًا بما شهده حفل دار أزياء ستيفانو ريتشي من تغطية عالمية لفتت الأنظار إلى ما تضمه مصر من ثروات، موضحًا أن متوسط إنفاق الفرد خلال سياحة المؤتمرات أعلى بكثير من السائح العادي، إلى جانب أن ذلك يوفر فرص عمل عديدة للشباب، ويخلق كوادر في قطاع السياحة بشكل عام، والمؤتمرات بشكل خاص.
وأبرز أن اللجنة تعمل في الوقت الحالي على الترويج لسياحة المؤتمرات، معتمدة على الفعاليات البارزة، كما ثمّن ما جرى من تنظيم احتفالية مرور 100 سنة على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وكذا مرور 200 عام على علم المصريات.
شرم الشيخ والمنشآت الفندقية
وعن مدينة شرم الشيخ، بيّن ياسر إبراهيم، عضو غرفة المنشآت الفندقية بجنوب سيناء، أن المدينة قادرة على تنظيم مؤتمرات دولية، مؤكدًا أن عقد مؤتمرات الشباب التي حضرها الآلاف من دول العالم المختلفة، فضلا عن قمة المناخ، أكبر دليل على ضرورة استثمارها في تنظيم المؤتمرات، مشيرًا إلى أن الفنادق تضم قاعات للمؤتمرات إلى جانب وجود قاعات مجهزة بشكل أكبر تجعل المدينة الأولى في استضافة المؤتمرات على مستوى الشرق الأوسط.
وأوضح أن سياحة المؤتمرات يمكنها تحقيق مليارات الدولارات سنويًا، ما يعني زيادة الدخل، والتعريف بقطاعات السياحة الأخرى، واستمرار تواجد مصر على الخارطة العالمية، رغم ما تضمه من منافسة قوية بين الدول.
وذكر زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، في تصريحات إعلامية، أن مدينتي شرم الشيخ والأقصر، من أبرز المدن التي جذبت أنظار العالم، بسبب تنظيم قمة المناخ وحفل دار أزياء ستيفانو ريتشي الإيطالية باليوبيل الذهبي داخل معبد حتشبسوت، مؤكدًا أن مصر لديها إمكانات سياحية تنافسية.
ودعا حواس إلى الاستفادة مما حقته المؤتمرات الدولية التي جرى تنظيمها في السنوات الأخيرة، واعتبارها دعاية مجانية يجب أن نبني عليها، وأن تستهدف الوزارة الشخصيات العالمية، وكذلك تنظيم المؤتمرات الموجودة على الأجندة الإقليمية والدولية كلما توفر ذلك.
تعزيز الصورة الذهنية ودعم عملية الاندماج الثقافي
ويذكر الدكتور محمود فوزي، الخبير في العلاقات الدولية، ومؤلف كتاب “فن وإدارة وتسويق المؤتمرات والمعارض، أكد فيه أن سياحة المؤتمرات تساهم في ترويج المعالم السياحية، كما يمكنها أن تبعث برسالة إلى العالم بأن الدولة لديها البنية التحتية اللازمة من قرى سياحية وفنادق وما إلى ذلك، كما أنها تمتلك الأطر التشريعية والنظم السياسية اللازمة لاستضافة هذا النوع من الفعاليات.
واعتبر فوزي أن هذا النوع من السياحة يعزز الصورة الذهنية للدولية ويدعم مكانتها دبلوماسيًا وسياحيًا، كما يجذب وسائل الإعلام العالمية بكافة أنواعها لتسليط الضوء على الدولة المستضيفة، إضافة إلى أن لسياحة المؤتمرات تأثير بالغ في مشاعر الانتماء بين مواطني الدولة، ودعم عملية اندماجهم ثقافياً نتيجة تفاعلهم مع جنسيات وثقافات متباينة.
وأوضح أن معظم الأبحاث التي جرت في مجال سياحة المؤتمرات بيّنت انتقال ولاء الزوار المشاركين، من الحدث، إلى المدينة المستضيفة له، ما ينعكس على نقلهم وكتابتهم لانطباعاتهم الجيدة عنها، وتوصية أقرانهم لزيارتها، وكذلك رغبتهم في العودة إلي البلد المستضيف.
وبحسب تقرير صادر عن أكسفورد إيكونوميكس، تحقق صناعة المعارض في العالم تحقق قرابة تريليوني دولار سنوياً، ويقام قرابة 32000 معرض تجاري، يضم 4.8 ملايين شركة عرض، ويحضرها 353 مليون زائر سنويًا. وتشير التقديرات إلى أن صناعة المعارض التجارية العالمية تخلق 3.4 ملايين وظيفة مباشرة وغير مباشرة.