المقالات

السلالات الجينية وانجلاء الرؤيا بعد ربع قرن

كان من مستجدات هذا القرن، أو نوازله، ظاهرة الأنساب الجينية، وهي تحديد السلالات العرقية والقبلية والأسرية بواسطة الحمض النووي DNA..
كانت البدايات ضبابية، ومتخبطة كأي بداية لكل ظاهرة علمية أو اجتماعية جديدة؛ فقد كانت الاستنتاجات مشوشة، والآراء متضاربة بين مؤيد بشدة، ومعارض بشدة، وبين مشرّق ومغرّب في تصنيف السلالات جغرافيا وعرقيا، وكما تسَرّع بعض الباحثين في تصنيف السلالات؛ فقد تسرعَتْ بعض الجهات الرسمية والدينية في اتخاذ قرار عدم الاعتراف باستخدام الحمض النووي لإثبات الأنساب مع أنه مقبول في القضاء لإثبات صلة القرابة الأسرية المباشرة، والتعرف على الهوية في الحالات الجنائية، وفي حالة وفيات الحروب والكوارث الطبيعية!
واليوم وبعد مضي ما يقارب ربع قرن على ظهور الأنساب الجينية، وإجراء المزيد من العينات الأسرية والقبلية؛ فقد ضاقت الهوة بين آراء الباحثين، وانجلى الغبار كثيراً، واتضحت الرؤيا أكثر من ذي قبل؛ فبدأت تتضح ملامح السلالات بوثوقية أكبر، لدى الباحثين الجادين، ولا عبرة باعتراضات الجهلاء وأهل الأهواء والعصبية العمياء..
وحديثي اليوم عن السلالة (E-M84)؛ فقد بات من المؤكد أنها سلالة عربية شرق أوسطية، تنحدر من السلالة(E-M34) التي بدورها تنحدر من السلاله (E-M123) والتي يبلغ عمرها التقريبي ١٧٥٠٠ سنة، وأنها نشأت في بلاد الشام، وانتشرت منها في كافة أرجاء بلاد العرب وما جاورها، وكان لها ارتباط وثيق بنشوء اللغات السامية القديمة في الهلال الخصيب. وهذه المعطيات تعتمد على ما تؤكده الدراسات العلمية الحديثة المستندة على الأدلة العلمية مثل الرفات والخلائط الجينية المعروفة باسم الاوتوسمال. حيث ظهر أقدم رفاةٍ لسلفها(E-M123) قبل حوالي ١٣٨٠٠ ألف عام في وادي نطوف بفلسطين، ثم تلاه رفاة من قرية بعجة في الأردن بعمر يقارب ٩٥٠٠ سنة موجبة للسلالة
(E-M84)، ورفاة البقيعة بالأردن بعمر ٦٥٠٠ سنة، ورفاة تل ميجدو الملكية في فلسطين بعمر ٤٥٠٠ سنة وغيرها.
وقد ظهر أن كثيرا من القبائل العربية تعود لهذه السلالة العريقة في الجزيرة العربية. وهي سلالة مهمة وقديمة جدا في المنطقة العربية. كما أن هناك فروعا عربية قديمة جدا منحدرة من سلالات أخرى في الجزيرة العربية من j1 ، وj2، وtm70 وm78 وv1515 وG وL، وغيرها.
وختامًا؛ فإن المعتمد في الأنساب هو الأصل المتوارث المبني على نصوص المتقدمين، وعلى الاستفاضة المتعارف عليها، والمعتمدة لدى الجهات الرسمية عند بداية صدور الوثائق الوطنية في منتصف القرن الماضي، والحمض النووي ينبغي أن ينظر عليه بوصفة قرينة على إثبات النسب المستفيض لدى الآباء والأجداد ولدى أهل العلم، أما إذا شطحت نتائج الحمض وخرجت على خلاف الموروث فلا يلتفت إليها؛ ولذلك فقد أحسنت القيادة عندما صدرت الأنظمة بتأكيد أن تبقى أنساب الأسر والقبائل على ما كانت عليه، وأنه لا يجوز تغيير النسب إلا بمسوغات مقبولة.. والله أعلم وأحكم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى