تشهد المملكة تحولاً نوعياً في مختلف القطاعات الاقتصادية في ضوء مستهدفات رؤية 2030، ومن أبرزها القطاع الإعلامي. إطلاق معيار “تام” السعودي لقياس مشاهدات المحتوى الإعلامي يأتي كخطوة طموحة تدعم الاقتصاد الإعلامي في المملكة، وهو مفهوم بات في قلب خطط التنمية المستدامة السعودية، خاصة مع تركيز برامج الرؤية على تنويع القاعدة الاقتصادية وتخفيف الاعتماد على النفط.
تعد صناعة الإعلام جزءًا مهمًا في تركيبة الاقتصاد السعودي، وتساهم بأدوار اجتماعية وتنموية. الأدوار الاجتماعية تتركز في تعزيز الهوية الوطنية والقيم الإنسانية والثقافية، وتقدم مضامين تعليمية وإخبارية وكذلك ترفيهية، وكل ذلك بفضل التطور والابتكار المستمر في التقنية الاتصالية. الأدوار التنموية تتضمن خلق بيئة الأعمال الإعلامية الجاذبة لرأس المال لتوفير قاعدة من الشركات والمؤسسات والقنوات الإعلامية القادرة على ممارسة العمل الإعلامي والإعلاني بما يخدم الخطط التنموية للقطاعين العام والخاص.
تشير تقديرات وزارة الإعلام إلى أن حجم السوق الإعلامي السعودي يتجاوز أربعة عشر مليار ريال سنويًا، مع تطور ملحوظ في تطبيقات الإعلام الرقمي بفضل متانة البيئة الرقمية السعودية. فيما يُشير التقرير الصادر عن “هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات” إلى أن مساهمة الاقتصاد الرقمي في الناتج المحلي الإجمالي السعودي بلغت 15% في السنوات الأخيرة، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 19% بحلول عام 2030. ومن الممكنات الأخرى التي تمتاز بها صناعة الإعلام السعودية التركيبة السكانية الشابة للمملكة، وحجم عدد السياح والزوار للمملكة، ووجود الاهتمام الإعلامي العالمي بقصة السعودية وما يحدث داخل المملكة من تحول ومشروعات وفعاليات ومسابقات.
الزيادة المضطردة في استخدام التطبيقات الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي مكنت المستهلك من وصول غير مسبوق للمعلومات والمقارنة بين السلع والخدمات، مما أوجد عالماً موازياً من البيانات الضخمة عن المستهلكين وتفضيلاتهم، والتي تتعامل معها المنظمات كأصل استراتيجي. كما أن الشركات والمؤسسات شهدت قفزة نوعية في استراتيجياتها ونماذج أعمالها حيث سمح دمج تحليلات البيانات والذكاء الاصطناعي والتجارة الإلكترونية بفهم أعمق لتفضيلات المستهلك؛ مما أدى إلى مبادرات تسويقية مصممة خصيصًا لتعزيز مشاركة المستهلكين، ودقة في التوقعات واتخاذ القرار، وأخيراً تحسين الكفاءة الإنتاجية. ويظل التوازن بين استخدام البيانات من أجل نمو الأعمال وحماية حقوق الأفراد تحديًا دقيقًا.
المعايير الرقمية الجديدة، مثل “تام”، تشكل أساسًا لفهم أكثر دقة للسلوك الإعلامي داخل المملكة وتحليل تأثير المحتوى على الجمهور. تعتمد هذه التقنية على البيانات الكبيرة وأدوات الذكاء الاصطناعي لتحليل عميق لكيفية استهلاك الأفراد للمحتوى الإعلامي. وبالنسبة للاقتصاد السعودي، فإن وجود هذا النوع من البيانات والمعلومات يعزز الوضوح والشفافية، ويخلق فرصًا جديدة للتوسع في الاستثمارات الإعلامية المرتبطة بالمحتوى الرقمي. إلى جانب ذلك، يعد هذا المقياس جزءًا من الاقتصاد المعرفي الذي يعتمد على التقنية الحديثة لخلق سلاسل قيمة اقتصادية جديدة. في سياق التسارع التقني، يمثل الاستثمار في البنية التحتية الرقمية وتطوير المعايير المتقدمة مثل “تام” مفتاحًا لتعزيز مكانة السعودية كقوة اقتصادية في صناعة التأثير وجزء من مشروع التحول الرقمي السعودي.
مع استمرار التقدم في التقنيات الإعلامية وتزايد أهمية البيانات الضخمة، ستتمكن المملكة من توجيه استراتيجياتها الإعلامية والاقتصادية بشكل أفضل مع وجود معيار “تام”، ما يعزز الاقتصاد الرقمي، ويخلق فرصًا استثمارية جديدة، سواء في الإعلام أو القطاعات المرتبطة به، مثل التسويق والتحليل الرقمي، والألعاب الإلكترونية.
ختامًا، يعكس معيار “تام” التزام المملكة بتبني أحدث التقنيات لتعزيز الاقتصاد المعرفي والرقمي، وهو خطوة ضرورية لضمان قدرة الاقتصاد السعودي على التكيف مع التغيرات العالمية السريعة في التقنية والمعلومات بما يدعم اقتصاديات الإعلام.