المقالات

ثقافة الاحتضان

العناق هو واحد من أعمق وأبسط أشكال التواصل البشري التي تعبّر عن المشاعر الإنسانية بطرق تفوق الكلمات ، ويحمل العناق معاني عاطفية واجتماعية كبيرة، ، فهو رمز للحب والأمان والدعم والطمأنينة .. عندما نحتضن شخصًا آخر نتجاوز الكلمات واللغة ؛ ليصبح الجسد هو وسيلة التعبير الأكثر صدقًا ووضوحًا .. تغيرت الأزمنة ، وتبدّلت المفاهيم

فقبل عشر سنوات من الآن كانت الأم لا تجيد عناق ابناءها ، والأب كذلك والأزواج أيضاً ، فثقافة العناق شبه معدومة في زمن قريب ، بل إن البعض جعلها في قائمة ( العيب ) فلا أحضان ولا احتضان ، وإن تمت ففي سرية تامة وكأنّ من يفعلها سيقام عليه حد الحرابة ، وكم من التشتت والأزمات النفسية بين الأسر بسبب تباعد الابدان والفرقة في الأوطان ، وحين اللقاء يكتفي البعض بمد اليد والمصافحة !
في زمننا هذا شهدنا تطوراً ملحوظاً في ثقافة العناق فقد توسع نطاقها ولم تعد محصورة ولا عند الأقارب مهجورة ، وكانت بداية التغيير بأيدي هذا الجيل المتفتح المعايش المليء بالحب والإنسانية ..
تعود الابنة بعد قضاء يوم دراسي متعب لعناق أمها وربما أخواتها لأنها اعتادت على ذلك في المدرسة بين زميلاتها ومعلماتها وهذا لا ينطبق إجمالا على الكل ، تشعر الأم بنفور من هكذا تصرف ومع مرور الوقت تعلم أنها مخطئة وسرعان ما تستسلم لطوفان الشباب الكاسح ، والابن أيضا كذلك .

ليس عيبا أن تعانق ابنتك وأختك وأخاك ، وأيضاً أمك ففي حضنها دفء ووئام ، فقد كنت من أشد الناس نفوراً من تقبل عناق أحبة كانوا لنا الأمن والأمان حتى فارقناهم وأودعناهم الثرى ، شعرت بأن لا شيء يستحق كل هذا الجفاء ، وأن قبلة على خد أمي ورأسها تساوي الدنيا ومافيها فكيف بعناقها ؟!

في العلاقات الشخصية يلعب العناق دورًا كبيراً في تعزيز الحب والتواصل ، ويمكن أن يكون العناق وسيلة لتهدئة الشريك بعد خلاف أو وسيلة للتعبير عن الشكر والامتنان .

في العلاقات العائلية يعزز العناق الشعور بالترابط والتقارب بين الأفراد ، وخاصة في اللحظات المهمة مثل الأعياد أو الأحداث الخاصة .

من فوائد العناق أنه يعزز الشعور بالانتماء والتواصل الاجتماعي في أوقات الشدة أو الحزن ، ويمكن أن يكون العناق وسيلة لإظهار الدعم دون الحاجة إلى كلمات. يعزز العناق الشعور بأن الشخص ليس وحيدًا في معاناته بل هناك من يهتم به ويقف بجانبه يرفع أيضا منسوب هرمون الحب والراحة ، فليس فقط الجانب النفسي هو المستفيد من العناق بل يمتد تأثيره إلى الصحة الجسدية أيضاً وهذا ما تؤكّده الدراسات الحديثة والتي تشير إلى أن العناق المنتظم يمكن أن يساعد في خفض ضغط الدم ما يقلل من خطر الإصابة بأمراض القلب ، بالإضافة إلى أن العناق قد يعزز جهاز المناعة إذ يعمل كوسيلة لتعزيز الجسم من خلال الشعور بالأمان والراحة والطمأنينة .

العناق في الثقافة الإنسانية يتجاوز الثقافات والحدود الجغرافية في معظم الثقافات ، ويُعتبر العناق جزءً من التحية أو الوداع سواء بين الأصدقاء أو أفراد العائلة ومع ذلك تختلف معاني العناق وطرق استخدامه من ثقافة إلى أخرى ففي بعض الثقافات يُعتبر العناق علامة كبيرة على الحميمية بينما في أخرى قد يكون مجرد إشارة بسيطة للصداقة أو الاحترام .

خاتمة :

العناق هو أداة تواصل غير لفظية تعكس المشاعر الإنسانية بشكل فوري وصادق سواء كان الهدف منه هو التخفيف عن الشخص أو التعبير عن الحب والامتنان يبقى العناق جزءً لا يتجزأ من التجربة البشرية ..
ربّ عمل تستحقره وهو عند الله عظيم ..
حاولوا سقيا بذرة الحب في صدوركم بالقرب
من أحبتكم قبل الرحيل .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com