المقالات

ورثة التكنلوجيا.. وداع افتراضي .!

✍️ جمعان البشيري

في المستقبل البعيد، في مدينة تكنولوجية متقدمة، توفي رجل مسن يُدعى “عمران”. ترك عمران خلفه خمسة أبناء، كل منهم منشغل في حياته الخاصة، ومشاريعه الطموحة..!

عندما تلقوا خبر وفاة والدهم، لم يُظهروا الكثير من الحزن، بل انشغلوا فورًا في التفكير بما تركه لهم من ثروة وأملاك.

اجتمع الإخوة الخمسة في المنزل الكبير الذي كان والدهم يعيش فيه، وبدأوا في تفقد الأوراق والمستندات ، بمحاولات فردية يائسة لكلٍّ منهم في الحصول   على كلمات المرور وكل منهم لا يعلم عن الأخر؛ طمعاً  أن يجد ما يمكن أن يُجني من جثمان والدهم بعد موته بأقصى فائدة ، وسط هذه الفوضى، لم يفكر أحد منهم في الجثمان الذي يرقد في الغرفة المجاورة ، بل اكتفى  أحد الأبناء بفتح تطبيق “إنترنال ريست ” وهو تطبيق إلكتروني تابع لأحدى الشركات التي يقوم بخدمات عديد لذوي المتوفين، من تبليغ الوفاة ..وشهادة الوفاة .. وغسل الجثمان ..والتكفين والدفن حتى آخر حفنة أرقام يُقفل بها القبر الرقمي.!

لتكفل للميت وداعاً افتراضيا، من خلال إعداد مراسم الدفن بأعلى مقاييس الجودة..! في ظل وجود تنافس محموم بينها وبين عدد من الشركات الخدماتية والتطبيقات الآخرى .!

وصلت سيارة الشركة إلى المنزل، وتحرك الروبوت المسؤول عن جمع الجثمان دون أي تدخل بشري.! أخذ الروبوت جثمان عمران بهدوء ونقله إلى المختبر التابع للشركة،للقيام بإجراءات التنظيف والغسل والتكفين، وفتح ملف إلكتروني ليتم الدفن في القبر الرقمي باستخدام أحدث التقنيات.

بينما كان الإخوة منشغلون في تقسيم الإرث تاركين التكنلوجيا إنهاء اللازم في دفن والدهم ، تلقوا إشعارًا على هواتفهم الذكية يفيد بأن الجثمان جاهز لدفنه في المقبرة الرقمية، وكل ماعليهم  هو أرسال رقم الكود الواصل برسالة نصية إلى هواتفهم الذكية حيث إن ذلك إجراء امنياً متبع لأمان عملية الدفن .!

وبعد ذلك تلقوا رسالة أخرى بها رابط إلكتروني حيث يمكن زيارة القبر والتفاعل مع الذكريات المسجلة رقمياً من حياة المتوفي…! ويمكنهم أرسال الرابط الإلكتروني للأقارب والأهل والأصدقاء ليتلقوا إشعارات الدعاء والعزاء وتأبين الميت ..!

لم يُكلف أحدهم  عناء الذهاب للمقبرة، بل اكتفوا بتسجيل حضورهم الافتراضي عبر تطبيق الشركة ، وحضر العزاء افتراضيا كمٌ هائل من المعزيّن المتفاعلين مع الحدث الجلل من الأهل والأصدقاء والمعارف، واكتفوا بوضع اللايكات المعبرة عن الحزن والآسى لابناء الفقيد.!

في النهاية، دُفن عمران في قبره الرقمي، وزاره أبناؤه افتراضيًا بضع مرات، بينما استمروا في حياتهم مشغولين بثروتهم الجديدة.!

لم يدركوا أن ما فقدوه كان أثمن من المال والأملاك؛ لدرجة أنهم لم يودعوا والدهم بالطريقة التي يستحقها، بل كان الوداع افتراضيا رقميا كما هي بقية شؤون حياتنا.!

في عالم متسارع مليء بالتكنولوجيا والبرامج الرقمية والتطبيقات الذكية أصبحت حياتنا بلا طعم ولا رائحة.. ولا معنى .!

ولا ندرك  إن الإنسان يظلُ هو العنصر الأكثر قيمة حتى بعد الموت لأن الموت هو الوداع الحقيقي ،و يمثل قوة الترابط العائلي ، والوداع الحقيقي ما يجعل الذاكرة تستمر وتظل حية .!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى