رغم أن المعلم يمثل برمزيته العلمية والأبوية عنوانًا كبيرًا يستوجب على الجميع التعامل معه بخصوصية، واحترام، وتقدير، إلا أن الشكوك والاتهامات الموجهة إلى المعلمين والمعلمات بصفة خاصة، والعاملين في القطاع التعليمي بصفة عامة، أصبحت ظاهرة تعكس انهيارًا خطيرًا في منظومة القيم في المجتمعات. للأسف، شهدنا في السنوات الأخيرة العديد من الأفعال والأقوال والتلميحات التي تؤكد هذا الانهيار غير المسبوق في التشكيك في المعلمين وقدراتهم. وكان آخر هذه الأحداث ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، بالصوت والصورة، لذلك الطفل الصغير الذي ادّعى زورًا وبهتانًا تعرضه للاعتداء من قبل اثنين من المعلمين. وهو الأمر الذي سرعان ما كشفت الجهات الأمنية عن حقيقته في أقل من أربع وعشرين ساعة، وأثبتت كذب وعدم صحة ادعاء الطفل الذي ظهر في المقطع المتداول.
ما استوقفني في هذا السيناريو لم يكن اتهام الطفل للمعلمين، لأنه من الواضح أن الهدف كان تشويه السمعة وإثارة البلبلة. ويبدو أن الطفل قد دُفع لتوجيه هذه التهم لأغراض دنيئة في نفس من صوره، سواء كان التصوير داخل المملكة أو خارجها. لكن العتب الأكبر على من انساقوا خلف هذا المقطع من مرتادي وسائل التواصل الاجتماعي، وتعاطفوا مع الحدث دون تثبت من صحة الادعاء. بل تعدى الأمر إلى المطالبة بمعاقبة المتهمين بأغلظ العقوبات! كما لم يتوقف بعضهم عند ذلك، بل رموا التهم جزافًا على كل من ينتسب إلى مهنة التعليم، ووصموهم بصفات لا تليق بمكانتهم كأهل للعلم والتعليم، الذين باتوا بين مطرقة قرارات الوزارة، وسندان الشارع الساخط والناقم عليهم.
وهنا أتساءل كما يتساءل مئات الألوف من المعلمين والمعلمات: هل بات من حق أي شخص أن يقذفهم أو يسبهم أو يشكك في أمانتهم ونزاهتهم دون التثبت وتقديم الأدلة على ذلك؟! وهل ما تعج به وسائل التواصل الاجتماعي وبعض الصحف من أخبار ومقاطع وفكاهات تشكك في المعلمين وأفكارهم وأمانتهم يعد مكافأة لجهودهم؟ وهل أصبح من حق أي شخص أن ينسف جهود المعلمين والمعلمات بأي تهمة، سواء كانت صحيحة أو ملفقة، ويُساءل المعلمون عليها دون تثبت أو برهان؟! وهل وصل بعض أفراد المجتمع إلى هذه الدرجة من السذاجة في تصديق كل ما يثار حول المعلمين والمعلمات من شكاوى كيدية وشبهات؟!
نعم، هذه تساؤلات تدل على أن المعلمين والمعلمات باتوا يفتقرون للأمان النفسي، فهم معرضون للأذى من قبل الطلاب وآبائهم، ومن قبل الصحافة والإعلام.
وأخيرًا، وبعد كل هذه التساؤلات، يجب علينا أن ندرك أن اتهام المعلمين والمعلمات يعد من أخطر الاتهامات التي يمكن أن تهز ثقة المجتمع في أحد أهم ركائزه: التعليم. فقد قيل: “إذا أردتم تدمير أمة، ابدأوا بالتعليم”. لأن تدمير الثقة في المعلمين هو بداية لانهيار القيم والمعرفة. وفي حادثة كهذه، يجب أن نتذكر أن الظلم قد يطول حتى أنبل الأشخاص وأكثرهم إخلاصًا. لذلك، بات من الضروري معاقبة كل من يساهم في إثارة الرأي العام ضد المعلمين والمعلمات، لأن مثل هذه القضايا قد تؤدي إلى ثغرات تجذب انتباه الحاقدين والحاسدين والمغرضين على بلادنا. كما يجب معاقبة كل من يساهم في نشر مثل هذه المقاطع، حمايةً لوحدة واستقرار وطننا الغالي. كذلك، ينبغي على وسائل الإعلام التأكيد على الدور المشرف والرسالة السامية للمعلمين والمعلمات، فهم بناة عقول الأبناء والنشء القويم لتحقيق رفعة هذا الوطن في كل زمان ومكان.
وخزة قلم:
قال عبدالله الفيصل رحمه الله في قصيدته ثورة الشك:
“يكذب فيك كل الناس قلبي
وتسمع فيك كل الناس أذني”
فلكم الله أيها المعلمون والمعلمات!