ربما يصدر منا، مهما حاولنا الاجتهاد وتحري الدقة والانضباط، بعض الأخطاء التي غالبًا ما تكون غير مقصودة. التعليم مليء بالاجتهادات أثناء اليوم الدراسي، نظرًا لتعدد وتعقيد المواقف التي يتعرض لها المعلم، والموجه الطلابي، والوكيل، ومدير المدرسة. ورغم وجود التوجيهات والتعاميم واللوائح والأنظمة، إلا أن الباب ما زال مفتوحًا لمثل تلك الاجتهادات التي قد تفرضها المواقف الطارئة.
التعامل مع الصغار، لا سيما في المرحلة الابتدائية، من الصعوبة بمكان؛ إذ قد ترى الظالم مظلومًا من كثرة ادعائه والتراجيديا التي يقدمها أمامك هربًا من العقوبة التي تنتظره لا محالة، فيلجأ إلى الكذب التبريري. وغالبًا ما ينطلي ذلك على الكثير من المعلمين، لا سيما من كان حديث عهد بالتدريس، فتسجل تلك القضية بذمة أحدهم ممن لا يبدو أنه يجيد فن اللعبة، ومن ثم يقع ذلك الظلم.
كان لي اتصال مع أحد أبناء العمومة، وهو محاضر في إحدى الجامعات. أثناء الحديث عن أمر ما بادرني بالسؤال: هل تعرف فلانًا؟ فأجبت: لا. ثم أوضح لي أن هذا الفلان كان أحد طلابي في بداية تدريسي قبل ثلاثين عامًا، فقلت: يا هذا، هل تعلم أنه قد مر علي آلاف الطلاب طيلة تلك الأعوام، فكيف لي أن أذكره؟
فقال لي ابن العم: إنه يتذكرك جيدًا، وادعى أنك قد ظلمته، وتكرر هذا الادعاء عدة مرات في أزمان مختلفة. وهل تعلم أنه الآن أصبح قاضيًا في إحدى محاكم المملكة؟
فأجبت: إن كان كذلك فهو بالتأكيد صادق بما يقول، وربما أن مرارة هذا الظلم هي ما جعله يتجه إلى سلك القضاء ليحقق العدالة في ديوان العدالة، وهي المحكمة. وربما أن هذا الظلم الذي تعرض له من قبلي، والذي لم يكن مقصودًا، أفاده بأن جعله يتحرى تحقيق العدل ما استطاع إليه سبيلًا، وأن تظل تلك المرارة في جوفه يتذكرها صبحًا ومساءً.
بعض المواقف ربما تؤلمنا وتحزننا، لكن قد يكون في طياتها الخير لنا في الأعوام المقبلة.
في نهاية حديثي مع ابن العم، طلبت منه أن يدبر لنا زيارة ولو خلسة، لإعتاق رقبتي من هذا الظلم الذي نسيته أنا ولم ينسه هو، وما زلت في انتظار هذا اللقاء.
هذا الموقف الذي قد نراه بسيطًا لا يستحق الذكر، إلا أنه كبير وحساس في نفوس أبنائنا الطلاب، مما يجعل من الضروري أن يسعى كل معلم ومعلمة لتحقيق العدالة وتحري الصدق والمساواة بين الطلاب واحتوائهم، فربما موقف ما قد يحرف مسار طالب أو طالبة لاتجاهات أخرى لا تحمد عقباها.
مستشار أسري وكاتب سعودي