جميعنا يعلم بأن الأجر مقابل العمل، ونؤمن يقيناً بأن الإخلاص في العمل من قيم الإسلام السامية. وما دعاني لأكتب هذا المقال هو حوار شفاف دار بين عدد من القادة العاملين في القطاع الحكومي والقطاع الخاص. ومع أن ذلك الحوار كان عابراً وقديماً، إلا أن موضوعه وما دار فيه لم يغِب عن الذاكرة، فالنقاش كان يدور حول آلية تطوير العمل وجودة الخدمات المقدمة للمستفيدين في المرافق الخدمية العامة والخاصة.
ذهب البعض إلى أن الموظف أو العامل بموجب ما يتقاضاه من أجر، مطالب بتحقيق المثالية في العمل والتفاني وبذل الجهد ليتم تقديم الخدمات للجمهور بأفضل وسيلة وأرقى تعامل دون أن ينتظر زيادة على أجره المتفق عليه. وذهب البعض الآخر إلى أن الإبداع والمثالية في العمل لا تتحقق إلا بالتطوير والتدريب وإيجاد حوافز ومكافآت مادية ومعنوية.
وبالرغم من عدم اعتراضي على ما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول، وأستطيع أن أسميهم أصحاب النظرة المثالية التقليدية العاملين بقاعدة الأجر مقابل العمل بمفهومها العام، وهي المثالية التي لم تتحقق حتى في عهد القرون المفضلة، إلا أن ما ذهب إليه أصحاب الرأي الآخر من ضرورة إيجاد حوافز ومكافآت مادية ومعنوية هو الأصح والأكثر واقعية في نظري، والمعمول به في كثير من القطاعات ذات الخبرة والخدمات المتميزة مثل البنوك والشركات الخاصة، وكذلك بعض الشركات والمؤسسات العامة كأرامكو والهيئات الملكية وغيرها.
وتأسيساً على ذلك نستطيع أن نؤكد بأن الحوافز والمكافآت بمثابة بوصلة النجاح عند استخدامها الاستخدام الأمثل (ولا أقصد هنا بالتقتير والتوفير بل بإيجاد الآلية الفاعلة والضوابط المحفزة) لضمان أداء الأعمال بفاعلية واقتدار وتحقيق معايير الجودة جنباً إلى جنب مع التطوير في آلية أداء الأعمال والتدريب المستمر للعاملين فيها في الجانبين التقني والأخلاقي. وحقيقةً، أستغرب كل الاستغراب من وجود جهات ميزانياتها مليارية، وبنود التدريب والحوافز والمكافآت فيها لا تتجاوز ٢٪ منها. والأغرب من ذلك كله وجود مسؤولين لا زالوا يؤمنون بضرورة التوفير في هذه البنود، أو التسليم بضعف ما فيها رغم تزايد أعداد العاملين وحاجتهم للتدريب والتحفيز لتحسين كل أو بعض الخدمات المتواضعة فيها، رغم كل الشواهد الحاضرة في كثير من القطاعات الفاعلة والمحفزة، وعلمهم بتوجه الدولة – رعاها الله – بضرورة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بنجاح العمل المؤسسي في كافة الجهات الخدمية، وسماح الأنظمة المرعية بذلك دون إفراط أو تفريط.