المقالات

التغافل: فن النجاة في زمنِ الصراعات .!

✍️ جمعان البشيري 

التغافل… ذلك الفن الرفيع الذي قد يعتبره البعض هروباً من المواجهة، في حين أنه في الحقيقة نوع من “اللياقة الاجتماعية” و”المرونة العاطفية”، وتكتيك يضمن لك التوازن في عصرٍ يعج بـ “القلقين على قلوبهم”.

لذا من الحكمة والسلوك الحكيم لحياة الفرد في مجتمع يعشق إثارة الأعصابَ و يبرعُ في تحويلِ المواقفِ الصغيرةِ إلى حروبٍ عالمية، قد لا تجد حلاً سوى التغافل! ومن أقوال الشافعي المأثورة في التغافل: «الكيّس العاقل هو الفطن المتغافل»، فبدلاً من إضاعة وقتك الثمين في الرد على الشخص الذي يقف أمامك بوجهٍ ممتقع وكأنه تعرض لأزمة حياة فقط لأنك “أخذت موقفه في الطابور”، تجد أن الحل الأمثل هو الابتسام والتغافل، وكأنك لم ترَ ما حدث… وهذا ليس ضعفاً، بل هو فلسفة خاصة يغلفها حسن الخلق.!كما قال الإمام أحمد بن حنبل: «تسعة أعشار حسن الخلق فن التغافل»، وقال الحسن البصري: «ما زال التغافل فعل الكرام».

بالتغافلِ تستطيع أن تتجاوز المواقف المسيئة وهنا يبرز الجانب الأكثر روعة في فن التغافل: القدرة على تحويل الموقف المسيء إلى مجرد “فقاعة صابون”، كما لو أن الإساءة لم تحدث أساسًا. فالتغافل يمنحك ميزة تحويل الضربة إلى ريشة، وتصبح أكثر ليونة ومرونة مثل قنديل البحر، الذي يجاري التيار دون أن ينكسر.

أنت في ذلك تنقذ نفسك من غرق معركة ستغرق فيها على الأرجح وحدك؛ لأن المسيء غالبًا لن يهتم أساساً! بل ربما يستمتع بمشاهدتك وأنت تتقلب في بحر الانفعالات، فتغافل، وسر كالأمير الهادئ الذي لا يرى!

أصبح التغافل حاجة واستراتيجية، يجب علينا التسلح بها ، وكأنك في معركة من نوع خاص، ،حيث إن القاعدة الأساسية تقول: “لا تطلق طلقاتك إلا عند الضرورة”.

نعم، ببساطة لأن الطلقات قد تنفد.!، والحياة مليئة بالصراعات والمواقف المسيئة .!

فتخيل لو أنك رددت على كل تعليق سلبي، أو كل تصرف مستفز، هل ستبقى لك طاقة لخوض حربك الكبرى ؟

التغافل يتيح لك توزيع طاقتك بشكل اقتصادي ويجعلك تعبر الصراعات الصغرى بأقل الخسائر وخصوصا في دائرة أقرب الناس إليك كالأهل والأبناء والأخوان والزوجات والأخوال وأبناء العمومة وحتى الأصدقاء …

فهو أسلوب للحياة يدلُ على النضج العاطفي؛ لأنك تدرك أن الحياة ليست حربًا دائمة، وأن الاحتفاظ بسلامك الداخلي أهم من أي نزاع عابر. فالتغافل لا يعني الاستسلام، بل هو ضبطٌ لقلبِك كي لا يهتز لكل كلمة جارحة أو سلوك عابر أو مقصود هدفه الاستفزاز،وكأنك تقول:“شكراً،لكنني مشغول بالأهم”.!

تخيل حياتك كرحلة هادئة وأنت تتغافل عن كل الأمور السطحية التي قد تعكر صفوك. نعم، التغافل هو سر الهدوء وسط صخب لا ينتهي، وهو المفتاح لتحقيق سلام داخلي يحتاجه كثيرون ويعرفه القليلون.

وختاماً : عليك أن تصل إلى قناعة داخليةٍ إن التغافل ليس هروبًا ولا ضعفًا، بل هو مهارة تستحق التدريب عليها. إنه أسلوب حياة ونضج عاطفي يجعلك تتقن فن النجاة من “دراما الصراعات المجانية”.

فما رأيك، أن تكون “متغافلًا بامتياز” في زمن يبحث الجميع فيه عن صراعات لا نهاية لها؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى