إنه صباح اليوم المنتظر…
كان يعيد رسم مجرى الأحداث المتوقعة في عقله مرة بعد مرة، وفي كل مرة كان يغير حدثًا، يقدم حدثًا ويؤجل آخر..
كانت مخاوفه تتعاظم، وتتشكل في رؤى أكثر رعبًا كل مرة…
بلغ منه الإرهاق مبلغه، حتى غرق في ثقبٍ أسود لا نهاية له، كان قد هوى داخله تمامًا في منتصف سريره البارد…
طاقة عظمى لا قِبل له بها تمتص صوته حتى أصبح يصرخ بلا صوت…
– خالد عبد اللطيف!
جاء النداء كضياء مصباح ضخم انبثق فجأة مع صوت المنادِي، فاجتذبه من ثقبه إلى أرضية القاعة المكتظة..
عشرات الأعين الفضولية اتجهت نحوه، أصبح الأدرينالين يهرول في عروقه بسرعة تضاهي دقات قلبه المتسارعة، احتقنت وجنتاه خجلاً، أم ربما حنقًا على ذاك المنادي الذي اجتذبه من ثقبه الصامت…
بدأت همهمات الحضور تزداد مع ازدياد احمراره الذي أذاب جليد توتره عرقًا يملأ جبينه وبدأ ينساب على عارضيه الخفيفين…
– دورك الآن!
بقدمين لا يعرف ما الذي جعلهما أكثر التصاقًا بالأرض بدأ يجرهما على الأرض جرًّا لا يشعر به غيره…
اعتلى خالد المنبر، وحاول أن يلتقط أنفاسًا عميقة ليُهدِّئ بها ارتجاف يديه فلم يستطع… ما بال الهواء أصبح ثقيلاً هنا؟
بيدٍ يسرى خفية عن الحضور حاول ضبط ارتجاف يده اليمنى وتثبيت الورقة التي جعدتها الرطوبة على سطح المنبر…
ثبتت الورقة أخيرًا، لكن ما بال الكلمات تتراقص أمامه؟ أتهزأ به، ألا يكفي ما سيقال بعد أن تمضي هذه الدقائق الثقال؟
أغمض عينيه؛ لربما استعاد رباطة جأشه، إغماضة، ثم تنهيدة، ثم رفع ناظريه إلى الأعين المحملقة نحوه…
جف حلقه فجأة، وبدأت أنفاسه تضيق مجددا مع توتر الأجواء داخل القاعة جراء هذا الصمت، حاول أن يباشر كلمته، فتح فمه؛ فإذا بالكلمات تتلاشى، حاول تذكر المقدمة التي حفظها عن ظهر قلب، لكن لا فائدة، شعر بأن الخناق يطبق على عنقه، ثم ينزل إلى صدره، شيئًا فشيئًا حتى غمر جسده كله فبات مشلولاً تمامًا، فخرَّ نحو ثقبه الأسود مجدَّدًا دون رغبة في الاستيقاظ!
0