تمر هذه الأيام الذكرى السبعين لانطلاق الثورة الجزائرية التي بدأت في الأول من نوفمبر عام 1954، بعد 124 عامًا من احتلال فرنسا للجزائر عام 1830. انتهت الثورة بإعلان الاستقلال في الخامس من يوليو 1962، بعد سبع سنوات من الكفاح المسلح، الذي أسفر عن استشهاد مليون ونصف المليون جزائري. ومع ذلك، لم تكن هذه الثورة الوحيدة، بل كانت تتويجًا لمسار طويل من المقاومة الشعبية السياسية والمسلحة ضد الاحتلال الفرنسي، بدءًا من مقاومة الأمير عبد القادر الجزائري (1832-1847)، مرورًا بمقاومة أحمد باي (1837-1848)، ومقاومة الزعاطشة (1848-1849)، ولالّة فاطمة نسومر والشريف بوبغلة (1851-1857)، وصولاً إلى مقاومتي الشيخ المقراني والشيخ بوعمامة (1871-1883) في القرن التاسع عشر.
في القرن العشرين، تواصلت حركات المقاومة ضد الاحتلال الفرنسي في مختلف أنحاء الجزائر، حيث قابلها الفرنسيون بردود وحشية، مثل مجازر 8 مايو 1945، التي راح ضحيتها 45 ألف شهيد، حين ارتكبت فرنسا هذه الفظائع ضد الجزائريين المطالبين بحقهم في الاستقلال بعد الانتصار على النازية في الحرب العالمية الثانية.
كان للمملكة العربية السعودية موقف داعم ومحوري لنضال الشعب الجزائري، وقد تمثل ذلك في عدة مواقف، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:
“أنتم تدفعون ضريبة الدم، ونحن ندفع ضريبة المال.. والله يوفقنا جميعًا.” كانت هذه كلمات الملك سعود – رحمه الله – للمناضل الجزائري الشهير توفيق المدني، والتي ذكرها المدني في كتابه “حياة كفاح” الصادر عام 1976، قائلاً: “قصدنا وفد جبهة التحرير إلى الرياض، وكان الاستقبال حارًّا، وكانت الضيافة ممتعة لولا آلام قومنا المبرحة. قابلنا الملك سعود بن عبد العزيز مقابلة حارة، واستمع إلى كلامي بتفهم عميق، وقال: أبشروا، سيكون لكم بحول الله ما تطمئن إليه قلوبكم. لقد كلفتُ وزير المالية، الشيخ محمد سرور الصبان، بدراسة كل الإمكانيات لدعمكم. كان ذلك يوم 11 ديسمبر 1957.”
وأكد الشيخ محمد سرور الصبان، وزير المالية حينها، أن الملك قرر فتح الاكتتاب بمبلغ مئة مليون فرنك، على أن يكون نصيب الحكومة 250 مليونًا. وقال: “سيتم الدفع لكم رأسًا حسبما طلبتم، ويوضع المبلغ في حسابكم بدمشق، سواء أردتم سلاحًا أو مالاً أو دعمًا سياسيًّا.”
لم تكتفِ السعودية بالأقوال، بل قررت قطع العلاقات مع فرنسا في خطاب تاريخي ألقاه الملك سعود – رحمه الله – عبر الإذاعة، وقال فيه: “إن المملكة العربية السعودية لن تعيد علاقتها الدبلوماسية مع فرنسا إلا بعد استقلال الجزائر.” وأكد أن السعودية ستظل سندًا قويًا للثورة الجزائرية.
لم يتوقف الدعم السعودي عند حدود تقديم المال وقطع العلاقات فحسب، بل شمل أيضًا المساهمة في تدويل القضية الجزائرية. أكد أحمد طالب الإبراهيمي، نجل الشيخ الإبراهيمي، أن الأمير فيصل بن عبد العزيز، الذي كان ولي العهد آنذاك، كان أول من طالب بتسجيل القضية الجزائرية في مجلس الأمن برسالة مؤرخة في 5 يناير 1955.
واستمر الدعم السعودي للجزائر بعد إعلان استقلالها. فقد كتب توفيق المدني في مذكراته عن حفل العشاء الذي أقامه الملك سعود، وقال: “هنأني الملك سعود بفرح كبير بهذه النتيجة التي وصلنا إليها بفضل الجهاد والاستشهاد، وقال بصوت مرتفع: كما كنت أول متبرع للجزائر المجاهدة سأكون أول متبرع للجزائر المستقلة، وقد أمرت بوضع مليار فرنك حالاً في حسابكم، وأرجو أن يقتدي بي بقية الإخوان.”
كانت هذه لمحات من المواقف المشرفة للسعودية، حكومة وشعبًا، تجاه قضايا العرب والمسلمين. تحية من الشعب السعودي إلى أشقائهم في الجزائر في ذكرى ثورتهم السبعين.