لا تستغربوا هذا العنوان، فكما أن هناك خدمات ما بعد البيع، هناك أيضًا خدمات ما بعد الموت. وكم كنت أتمنى أن تقتصر هذه الخدمات على الدعاء للميت، والصدقة عنه، وتسديد ديونه، وذكر محاسنه، ولكن يبدو أن هناك أشخاصاً يدخرون خدماتهم للحي ليقدموها له بعد وفاته! وكان الأولى بهم أن يحترموه حيًا وميتًا.
(فلان من الناس) غضب عليه الجميع في حياته، ثم رضي عنه الجميع بعد مماته! وكأن الموت شرط للرضا، وكأنه لم يعمل شيئاً يشفع له قبل وفاته، ولكن عندما جربوا غيره أيقنوا بأفضاله. وكما يُقال في المثل: “لا تمدح جاراً حتى تُجَرِّب الجار الذي بعده”.
هناك نفوس كأنها “مقبرة” عديمة الإحساس، لا تحب ولا تتقبل ولا تحتضن إلا الموتى فقط! أليس للحي كرامة؟ والمولى عز وجل يقول: (ولقد كرمنا بني آدم).
لا أعلم لماذا تغفل بعض الجهات عن تكريم بعض الرموز الذين خدموا الوطن، ثم إذا ماتوا استدعوا أسرهم لتكريمهم نظير ما قدمه الراحل من جهد وعطاء. سنوات من خدمته تمر دون أن يحظى بتكريم مميز واحد!
ولذلك تعلمت أن الناس تحترم الأموات ولو لم تعرفهم، مهابة من هادم اللذات ومفرق الجماعات، ولا تحترم بعض الأحياء، وهي تعرفهم.
صحيح أن الموت واعظ كافٍ، ولكن لا أدري أكان لزامًا أن يحتاج الناس للموت ليحررهم من مشكلة “الخرس العاطفي”؟!
“خدمات ما بعد الموت” ظاهرة إنسانية تهدف إلى تقديس الميت، الذي غالباً ما كان مهملاً وهو حي. يا للعجب!
وردة واحدة تُهدى لإنسان على قيد الحياة أزهى من مجموعة هدايا تُقدم لأسرته بعد وفاته، إلا إذا كانت لتسديد دين عنه أو بناء بيت لأسرته، فجزاكم الله خيرًا.
ختامًا، أرجو أن تتذكروا محاسن موتاكم، ولا تنسوا أن للأحياء محاسن تستحق الذكر والشكر. تحدثوا إليهم، احبوهم، سامحوهم، وعبروا عن مشاعركم الآن، قبل فوات الأوان.
كاتب رأي ومستشار أمني
للأسف واقع نعيشه ابا رائد
ودائماً لانعرف قيمة من حولنا إلا عندما نفقدهم
حفظك الله وأبقى لنا ولك وللجميع أحبتنا .
دمت ودام قلمك