المقالات

إلى خطباء الجمعة: حتى يكون لخطبكم أثر

خطبة الجمعة ليست وظيفة يؤديها الخطيب ليكسب منها راتبًا آخر الشهر، وليست مهمة يسعى للتخلص من ثقلها؛ بل هي وظيفة ربانية، وتكليف إلهي، وميراثٌ نبوي يحمله الخطيب ليؤثر في مستمعيه، ويوجههم لما فيه مصلحة دينهم ودنياهم.
وإذا أدرك الخطيب هذه الحقيقة فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه هو سؤال: كيف ستؤثر خطبتي في جموع المستمعين؟!
إنّ إجابة هذا السؤال تكمن في عدة نقاط:
أولًا: لا بدّ على خطيب الجمعة أن يُحضِّر خطبته جيدًا، ولا يكفي أن يبحث عن خطبة جاهزة من الانترنت أو من الكتب، بل لابدّ أن يعرف ما الذي يهمّ جمهوره، وما الذي يشغلهم، وما المواضيع الأنفع لهم بدءاً بالأهم فالمهم: أمور العلاقة مع الله وتصحيح العبادات القلبية، ثم العبادات العملية الصلاة وأركان الإسلام، ثم أخلاق الإسلام العامة والتعامل مع الناس بالحسنى، وهكذا.
ثانياً: لا بدّ أن يعرف نوع الخطاب المناسب لهم، فقد يكون الجمهور من عامة الناس: عمالًا ومستخدمين وبسطاء في تعليمهم؛ فأمثال هؤلاء لا يناسبهم الخطاب عالي البلاغة والكلمات الرنانة، بل لابدّ أن ينزل بأسلوبه وكلماته بما يتناسب وفهمهم، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم، أتريدون أن يُكذَّب الله ورسوله).
ومن مراعاة جمهور المستمعين عدم إشغالهم بتخريج الأحاديث وذكر من رواه من الأئمة، ويكفي الإشارة إلى صحته، وكذلك عدم إشغالهم بذكر أقوال العلماء وخلافهم الطويل في المسألة وكأنه في درسٍ علمي.
ثالثًا: مراعاة الوقت، وقد وجّه معالي وزير الشؤون الإسلامية السابق الشيخ صالح آل الشيخ وفقه الله في أكثر من مناسبة إلى ضرورة مراعاة حال الناس وعدم تطويل الخطبة، وأن تطويلها مخالفٌ للسنة، فأن تتجاوز الخطبة النصف ساعة أو أكثر لا شك أنّ هذا سيصرف انتباه الناس وتركيزهم من الخطيب إلى أمورٍ أخرى، وسيجلب لهم الملل والضجر.
رابعًا: ملاحظة لغة الجسد أثناء الخطبة، وأعني هنا كل ما هو خارج موضوع الخطبة، فارتفاع صوت الخطيب وخفضه حسب الكلام، وتوزيع نظراته بين الحاضرين، وتحريك يده بقدر مناسب، وتعابير وجهه المتناسبة مع الكلام كل ذلك مما يجعل خطبته حيةً قوية مؤثرة في نفوس مستمعيه، والناس في الحقيقة يرون الخطيب قبل أن يسمعوه، ولذلك فمن المهم على الخطيب أن يهتمّ بمظهره، وقد وجه وزير الشؤون الإسلامية الدكتور عبد اللطيف آل الشيخ أن يلبس الخطباء البشت ـ المشلح ـ ليكون الخطيب في أبهى زينةً وأفضل منظر في منبره، وهذا اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي قال عنه جابر رضي الله عنه: ( كان للنبي صلى الله عليه وسلم برد يلبسها في العيدين والجمعة).
مكانة خطبة الجمعة في الإسلام عظيمةٌ جدًا، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بالتركيز وحسن الاستماع وألّا ينشغلوا عن الخطبة بأي أمرٍ ولو كان ردَّ سلام أو تشميتَ عاطس أو إسكاتَ متحدثٍ أو حتى مسِّ حصى.
فليعلمْ خطباء الجمعة مكانةَ خطبتهم، وليتجهزوا حق التجهز، وليحضّروها حق التحضير، ويختاروا من المواضيع الأنفع والأكثر ملامسةً لواقع الناس، وليتعلموا فنون الخطابة والحديث مع الجماهير.

‫2 تعليقات

  1. جزاكم الله خير الجزاء وجعلها الله في موازين حسناتكم ونفع الله بكم وبعلمكم وبارك فيكم والله يحفظكم ويرعاكم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى