المقالات

د. سلطان القاسمي .. الثقافة منهج حياة

للأديب العالمي “هرمان هيسه” وصفاً بديعاً للثقافة إذ يقول: “كلما علت ثقافة الإنسان، وكلما عظمت الامتيازات التي كان يتمتع بها، كلما كانت التضحيات التي ينبغي عليه تقديمها في الأزمات كبيرة”.. وهذا الوصف أراه ينطبق على سمو الشيخ د. سلطان القاسمي.. عضو المجلس العلى لاتحاد دولة الإمارات العربية و حاكم الشارقة، ذلك الرجل الذي جعل من الثقافة منهاج حياة، فباتت الشارقة نموذجاً آخاذاً في العمران تباهي به الشارقة العالم في مجالات: التعليم، الصحة، الطرق .. إلخ، غير أن “البعد الثقافي” في نهضة الشارقة هو الأبرز على الإطلاق بوصفه البعد الأقدر على “بناء البشر قبل الحجر”.
وقد تجلت إنجازات د. سلطان القاسمي الثقافية في اختيار اليونسكو للشارقة عاصمة الكتاب في العالم لعام 2019م، وسبقها اختيار المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسيكو) للشارقة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2014م، وكذلك اختيار الشارقة العاصمة الثقافية للعالم العربي لعام 1998م، فضلاً عن الجوائز الضخمة التي يرعاها د. القاسمي في مختلف الحقول الثقافية، ومنها جائزة الشارقة للإبداع العربي في مجالات: الشعر الفصيح- القصة القصيرة- الرواية- النص المسرحي- النقد- أدب الأطفال.
وأرى أن من الإنجازات الثقافية الكبرى للشيخ د. سلطان القاسمي ذلك الامتداد المبهر لدوره الثقافي متمثلاً في ابنته الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي على طريقة المثل المصري الشهير “إبن الوز عوام”، والتي تشغل حالياً منصب رئيسة مجلس إدارة هيئة الشارقة للكتاب.
والشيخة بدور هي مؤسسة جمعية الناشرين الإماراتيين في عام 2009م، والتي أصبحت عضواً عاملاً في الإتحاد الدولي للناشرين في عام 2012م، ثم تولت منصب نائب رئيس الإتحاد بين عامي (2019- 2020م)، إلى أن تولت منصب رئيس الإتحاد الدولي للناشرين كأول إمرأة عربية ومسلمة تتولى هذا المنصب، وثاني إمرأة في العالم تتولاه بعد بعد الأرجنتينية “آنا ماريا كابانيلاس” التي تولت رئاسة الاتحاد خلال الفترة ما بين عامي (2004 – 2008م).
ومن جانب آخر، يُعد معرض الشارقة الدولي للكتاب – والذي يحظى برعاية واهتمام الشيخ د. سلطان القاسمي شخصياً- واحداً من أهم معارض الكتاب عربياً وعالمياً، ولم لا ود. القاسمي هو صاحب المقولة الشهيرة بأن “الكتب واحات نور”.
واتساقاً مع ما سبق، جاء افتتاح د. سلطان القاسمي في السادس من نوفمبر الجاري لفعاليات معرض الشارقة الدولي للكتاب في دورته الثالثة والأربعين بمركز “إكسبو الشارقة”، حيث زف لأبناء لغة الضاد بشرى عظيمة باكتمال إنجاز “المعجم التاريخي للغة العربية”، وهو إنجاز علمي كبير في (127) مجلداً، حققه حاكم الشارقه على أيدي فريق كبير من علماء الأمة يفوق عددهم 700 بين كاتب ومحرر وخبير مراجع وإداري وعاملين في الإخراج والطباعة، وذلك إثر 7 سنوات كاملة من الجهد والعمل الدؤوب، علمأً بأن من بين المشاركين في هذا المعجم الفذ السادة رؤساء مجامع اللغة العربية بكافة أنحاء العالم العربي.
وخلال كلمته بحفل افتتاح المعرض، قال د. القاسمي: “إن المعجم التاريخي للغة العربية كان حلماً يراودني منذ زمن بعيد فأنا أعلم أن حفظ اللغة هو حفظ لأبنائها وحفظ لتاريخها المجيد وحفظ لآدابها وأصالتها وهويتها. لقد بذل آباؤنا، وأبناء العربية الكثير، عملوا في هذا المشروع على مدى سبع سنين متواصلة من التخطيط والترتيب والتنفيذ، جمعوا لنا اللغة العربية، وحفظوا لنا أشعار السابقين ودونوا قواعدها وكتبوا أخبارها، فجزاهم الله عنا خيراً، حتى اكتمل المعجم التاريخي اليوم في مائة وسبعة وعشرين مجلداً”، مضيفاً: “المعجم التاريخي للغة العربية هو الجمع الثاني لها، اجتهد القائمون على إنشائه على جمع اللغة، ألفاظها وأشعارها وشواهدها، من تراثنا العربي الواسع، ابتداءً من الشعر العربي الفصيح، مروراً بلغة القرآن الكريم والحديث الشريف، وصولاً إلى لغة الإعلام والصحافة والتواصل الاجتماعي. ولسنا نقول هذا الكلام لنتوقف أو نتراخى، بل إننا عازمون اليوم أكثر من أي وقت مضى على مواصلة مسيرة العلم ونشر الثقافة العربية والتمكين للسان العربي في مشارق الأرض ومغاربها”.
ولم يكتف د. القاسمى بزف بشرى المعجم بل زف بشرى أخرى بقوله: “أبشر الأمة العربية بمعجمها التاريخي، وأبشرها بأننا بدأنا في مشروع علمي عظيم، لا يقل أهمية عن المعجم التاريخي للغة العربية، وهو الموسوعة العربية الشاملة في العلوم والآداب والفنون والإعلام، هذا المشروع الثقافي الكبير الذي سيعود بالأمة أيضاً إلى علومها وفنونها وآدابها، وإلى دراسة سير وتراجم كبار أعلامها من العلماء والفقهاء والمفسرين والفلاسفة والأدباء والشعراء وغيرهم الكثير، وهذا هو الربط الحقيقي بين حاضر الأمة وماضيها المجيد”.
يذكر أن معرض الشارقة الدولي للكتاب قد حصل هذا العام على المركز الأول عالمياً – وللعام الرابع على التوالي- على مستوى بيع وشراء حقوق النشر، مما يعكس أهمية المعرض عالمياً.
إلى ذلك، تشير السيرة الذاتية المختصرة للشيخ د. سلطان القاسمي إلى حصوله على بكالوريوس الهندسة الزراعية، كلية الزراعة، جامعة القاهرة عام 1971م، ودكتوراه الفلسفة في التاريخ بامتياز، جامعة إكسيتر، المملكة المتحدة عام 1985م، ودكتوراه الفلسفة في الجغرافية السياسية للخليج، جامعة درم، المملكة المتحدة عام 1999م.
وإضافةً لثقافته الموسوعية التي لا تخطئها العين، فإن د. القاسمي مبدع عظيم جمع بين كتابة: الشعر، والرواية، والتأليف المسرحي، فضلاً عن كونه مؤرخ لا يُشق له غبار، له العشرات من الكتب، ومنها:
* الأعمال التاريخية: أسطورة القرصنة العربية في الخليج- الاحتلال البريطاني لعدن- تقسيم الامبراطورية العمانية (1856/1862)- الخليج في الخرائط التاريخية- بيان للمؤرخين الأماجد في براءة ابن ماجد- القواسم والعدوان البريطاني (1797/1820)، وغيرها.
* الأعمال المسرحية: عودة هولاكو- الإسكندر الأكبر- طورغوت – القضية- داعش والغبراء (ملحمة)- الحجر الأسود- علياء وعصام (شعرية)، وغيرها.
* الأعمال الأدبية: الشيخ الأبيض- الأمير الثائر- نشيج الوداع- فرائد البيان- بيبي فَاطِمة وَأبناءُ المَلِك- رأس الأمير مقرن، وغيرها.
وقد حصل الشيخ د. سلطان القاسمي على العديد من الجوائز والتكريمات المرموقة لدوره الثقافي الكبير، ومن أبرزها: جائزة الملك فيصل الإسلامية العالمية لخدمة الإسلام عام 2002م- درع مئوية جامعة القاهرة عام 2008م- جائزة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان للشخصية الثقافية للعام 2010م – جائزة الأمير سلمان بن عبدالعزيز لدراسات وبحوث تاريخ الجزيرة العربية عام 2012م- شخصية العام التراثية (مصر) لعام 2013م- جائزة سايمون ماستر الرفيعة (المملكة المتحدة) عام 2017م، وغيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى