ذاب الثلج وبان المرج، وعداد التاريخ لا يتوقف، وكم فيه من عبر ودروس حتى وإن كتبه الغالب وزوره المغلوب. فالتاريخ الحقيقي لا يظهر إلا بعد زوال صاحبه؛ إذ يصعب معرفة حيثيات الأحداث الجارية من حولنا، فما بالك بأحداث مر عليها قرون.
ومنطقتنا اليوم، كما نشاهد، هي بؤرة الصراعات، إما لما تحتويه من ثروات، وإما لعدم توافق القوى العرقية والعقدية المتداخلة. هذا الأمر استغلته القوى الكبرى لتحقيق أهدافها، منتهزة كل هزة سياسية أو أزمة اقتصادية للسيطرة على المنطقة والتحكم بثرواتها، في ظل غياب الوعي واعتقال العقول، مما جعلها شعوبًا متصارعة وبلدانًا متحاربة.
ومما يلفت النظر أن تلك الصراعات في منطقتنا العربية أثبتت أن ما تقوم به قيادتنا السياسية من مواقف يدل على تمسكها بمبادئها ودستورها منذ تأسيسها، رغم خطورة المتغيرات الإقليمية والعالمية. لقد نجحت القيادة في رسم سياسة ثابتة ومعلنة أكدت الأيام صحتها واعترف الجميع بحكمتها.
إن تطور الدول وتقدم الأمم مرهون بالدرجة الأولى بوعي المواطن، وهو ما حرصت القيادة على صناعته. فالوعي يعد القاعدة الكبرى لاستقرار الأمة ونمائها، وميزان الوعي اليوم لدى مواطني بلاد قبلة الأكوان ودرة البلدان يختلف عما كان عليه قبل عقود. وقد زادت دهشتهم عندما وجدوا أن خيام الشعر في بلادنا المترامية قد تحولت إلى أبراج وصروح، وأن رعاة الإبل الذين كانوا موضع استهزاء قد أصبح منهم قادة عالميون وعقول مفكرة قادرة على التحليل والتخطيط والتنفيذ.
إن قيادة ملوك هذه البلاد، المستمدة من عقيدتها، تجاوزت تلك الشعارات الهزلية والتحديات الأممية، وبقيت على سياستها الشفافة تدعو إلى السلام ونبذ الخلاف، دون أن تسقط في وحل الصراعات وقمقم الاختلافات، على الرغم من محاولات استعدائها. لقد كسبت القيادة الرهان وبرزت مكانتها العالمية أمام ذلك التطور الاقتصادي المنسجم مع الدهاء السياسي، وجعلت من مواطنيها رأس مالها، وصنعت من وعيهم قيمة مضافة إلى رصيد الوطن.
فكلما ارتفع منسوب الوعي لدى المواطن، انعكس ذلك بشكل إيجابي على استقرار وأمن المجتمع بأكمله. ومن هنا، فلا غرابة أن يكون الوعي العقلاني والحس الإنساني سلاحًا أقوى من المشانق والزنازين.