في عصرٍ يتغذى على الشاشات ويستنشق هواء منصات التواصل الاجتماعي، ظهر ما يمكن وصفهم بمشاهير الغفلة، أشخاص استغلوا ثغرات الثقافة الجديدة ليحققوا شهرة واسعة، دون أن يحملوا رسالة أو يقدموا فائدة تُذكر للمجتمع. هؤلاء المشاهير، بدلاً من أن يكونوا رموزًا يلهمون ويُقتدى بهم، أصبحوا مجرد أصوات صاخبة وجاذبة للأضواء بأدنى الوسائل، تكتفي بتقديم محتوى سطحي أو مثير للجدل، لا يتجاوز في تأثيره سحب الناس إلى هاوية الضياع عن القيم والعمق الحقيقي.
إن جمهور مشاهير الغفلة هو جزء أساسي من هذه الظاهرة، فبدلاً من أن يبحث المتابع عن التميز والعلم والفكر، بات يكتفي بالترفيه الفارغ الذي لا يقدم أي إشباع حقيقي للعقل أو الروح. تجدهم يتابعون تفاصيل حياتهم اليومية بدقة، ويعيشون في انتظار كل ما هو جديد عنهم، متناسين في غمرة هذا الحماس أن ما يشاهدونه ليس سوى سراب من صور مزيفة، تخفي وراءها واقعاً بائساً في كثير من الأحيان. فالأشخاص الذين يسعون فقط وراء الأضواء والشهرة يتخلون بسهولة عن المبادئ، ويصبحون عبيدًا لرغبات الجماهير، ويجدون أنفسهم في دائرة لا تنتهي من التمثيل المستمر. حياة يتخللها البحث عن إثارة عابرة أو صدمة جديدة لجذب الأنظار، تاركين وراءهم عبق الحقيقة ومجردين أنفسهم من المصداقية.
ومع ظهور مثل هؤلاء، شهدنا تغيرات مؤسفة في معايير النجاح والتميز. فقد أصبح عدد المتابعين مقياساً للقيمة، وأصبح المحتوى التافه مؤثراً، في الوقت الذي يغيب فيه عن الساحة أولئك الذين يحملون رسائل نبيلة ورؤية مستنيرة. هؤلاء المشاهير، الذين هم في الحقيقة لا يقدمون إلا كل ما هو فارغ، حولوا القيم الإنسانية إلى سلعة تسويقية، وأصبحوا يحاولون تقديم أنفسهم كخبراء في شتى المجالات، رغم أنهم يفتقرون للمعرفة أو العمق.
في مواجهة هذا الطوفان من “الترندات” الفارغة، يحتاج المجتمع إلى التوقف والتفكر في الكيفية التي أصبحت بها الشهرة في متناول من لا يملكون شيئًا حقيقياً ليقدموه. إن قيمة الإنسان يجب ألا تتحدد بعدد المتابعين أو بمدى الجدل الذي يثيره، بل بما يقدمه من أثر إيجابي ومنفعة حقيقية للمجتمع. ومع هذا، فإن من يتبنى الظهور الخادع والبهرجة الخالية، يسهم في تدمير المفاهيم الأصيلة للنجاح ويغذي روح الاستهلاك الثقافي السطحي، الذي يجعل الأجيال الجديدة تلهث وراء أوهام الشهرة الخادعة.
مشاهير الغفلة ليسوا مجرد ظاهرة عابرة، بل هم عرض لمرض اجتماعي عميق يتمثل في انحدار المعايير التي يقيم بها الناس ذاتهم والآخرين. وحين يصبح التفاهة صفة مقبولة، بل وحتى مفضلة، فإن هذا يمثل انحرافاً خطيراً يستدعي من المجتمع أن يعيد النظر في نوعية القدوات التي يروج لها. هؤلاء ليسوا قدوات، بل أقنعة بلا قيمة، تأسر المتابعين بالسطحيات وتبعدهم عن الحقيقة والعمق. فالشباب اليوم بحاجة إلى من يقودهم نحو الطموح الأصيل، نحو المعرفة، نحو الإنجاز الذي يبقى أثره، وليس نحو شهرة جوفاء سرعان ما تتلاشى .