تعتبر أمريكا وجهة رائدة للعلماء والباحثين حول العالم، خاصة في التكنولوجيا، والطب، والعلوم، والاقتصاد، ففي تقرير نشرته المؤسسة الوطنية للسياسات الأمريكية يشير إلى أن عدد المهاجرين لأمريكا الحائزين على جائزة نوبل، أدى على مر السنين إلى زيادة قيمة المؤسسات التعليمية والبحثية الأمريكية.
ووفقا لنفس التقرير، كان واحداً من بين كل خمسة حائزين على نوبل في مجالات الطب أو الفيزياء أو الكيمياء مهاجراً إلى أمريكا بحلول 2020م، والذي يمثل حالة البحث والانفتاح والتقدم العلمي داخل المجتمع الأمريكي.
في الواقع لم يكن حصد مواطني أمريكا لأغلب جوائز نوبل هو المثير للانتباه، فالأمر أصبح أمراً عادي، بل الذي يثير الانتباه هو أن اغلب الذين حالفهم الحظ من المهاجرين نحو أمريكا مطلع القرن الماضي، وهذا ليس حدثاً جديداً عند الأمريكيين، في بلد يقوم على استقطاب المتفوقين والموهوبين.
فالجوائز التي يحصدها الامريكيون اليوم في مجالات العلوم والمعرفة، لم تكن محض صدفة، بل نتيجة عمل جاد قامت به قطاعات التعليم المهني والعالي والبحث العلمي؛ بدأ هذا العمل بعد شعور الأمريكيين بالخطر على بلادهم نتيجةً لنجاح الاتحاد السوفيتي في فترة الخمسينيات من القرن الماضي في إطلاق أول قمر صناعي للفضاء سنة 1957م، فكان ذلك نقطة تحول في زيادة اهتمام أمريكا بقطاع التعليم والبحث العلمي.
تجسد الاهتمام الأمريكي في قيام الرابطة القومية للتربية سنة 1958م بتنظيم مؤتمر علمي هدفه البحث عن السبل الكفيلة بتطوير المعلمين، وآليات اكتشاف الموهوبين وصقلهم، ودعم وتطوير تعليمهم في المراجل التعليمية للاستفادة من إمكانياتهم العقلية المتميزة.
وفي السنة نفسها أقر مجلس الشيوخ ما يعرف بقانون “التعليم للدفاع القومي”، وبعدها بسنوات تمكنت أمريكا من ريادة الاقتصاد المعرفي، ومن غزو الفضاء وإنزال أول رائد فضاء على سطح القمر عام 1969م.
ولتطوير نظامها التعليمي ركزت أمريكا على الموهوبين باعتبارهم أهم الثمار التي يجب الاعتناء بها، وأقرت لتحقيق ذلك استراتيجية ترمي إلى كشف المواهب وصقلها، وقامت هذه الإستراتيجية على ركيزتين:
أولهما كشف المواهب المحلية، وثانيهما استقطاب المواهب الخارجية.
هذا التزاوج جعل من أمركا النموذج الأبرز لبروز الكفاءات العلمية، فالهولندي مطور المصباح الكهربائي وآلة التصوير السينمائي كان أمريكياً، والألماني “ألبرت آينشتاين” مكتشف النظرية النسبية هاجر لأمريكا ليصبح أحد أهم علماء الفيزياء في العالم، والعالم “روبرت أوبنهايمر” مدير مشروع مانهاتن لتصنيع السلاح النووي في الحرب العالمية الثانية كان مهاجرا من ألمانياً.
وفي وقتنا الحاضر أمريكا تقود العالم بعد عقود من العمل الجاد والذكي، فمن مدرجات الجامعات إلى مراكز البحوث العلمية وأودية التقنية وحدائق المعرفة وأقطاب الصناعة ورواد الابتكار التكنولوجي، أصبحت مثال حي للدول التي تنشد الريادة، بأن الريادة تنطلق من جودة النظام التعليمي.
ولا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال تشجيع الإبداع والابتكار على كل المستويات، سواء باستحداث قوانين جديدة، أو بتقديم دعم مالي، وقبل ذلك كله لم تتمكن أمريكا من الريادة العالمية لولا أن قامت بإتاحة الفرصة للمواطنين الأمريكيين والمهاجرين من فرض أنفسهم، بغض النظر عن العرق والجنسية والبلد التي جاءوا منها.
0