التقاعد، وما أدراك ما التقاعد! ما أن يلوح وقته في الأفق حتى تبدأ المصطلحات والعبارات المتداولة بين الموظفين بالظهور، مثل: “مت قاعد”، “سنة الحياة”، “الدنيا دوارة”، و”لو دام الكرسي لغيرك ما وصل لك”. هذه العبارات تعكس المشاعر المتباينة تجاه التقاعد، خاصة عند صدور قراراته.
المتقاعدون نوعان:
1. النوع الأول – المتقبلون للتقاعد:
هؤلاء يدركون أن التقاعد مرحلة طبيعية من مراحل الحياة العملية، ويدركون أنه نهاية لا بد منها إذا لم يسبقها الموت. هذا التفكير العقلاني يتماشى مع سنة الحياة، حيث يتقبل هؤلاء المتقاعدون التقاعد بصدر رحب ويعتبرونه فرصة للراحة والتفرغ للأسرة والحياة الخاصة.
2. النوع الثاني – الرافضون للتقاعد:
هؤلاء يعيشون رعبًا نفسيًا من فكرة التقاعد، ويربطون أنفسهم بالكرسي الوظيفي الذي يمنحهم وجاهة اجتماعية وسلطة. يعتبرون الحياة بلا وظيفة رسمية بلا معنى، ويستميتون للبقاء في مناصبهم، ليس حبًا للعمل أو إخلاصًا للوطن، بل حبًا للذات واستمرارًا في الاستفادة من “البرستيج” والمصالح الشخصية التي يمنحها الكرسي.
مواقف من الحياة العملية
• الموقف الأول:
دار حوار بيني وبين زميل أقدم مني برتبة لواء، حيث سألته عن رأيه في أن تتم ترقيته إلى رتبة فريق ويتزامن ذلك مع التقاعد. فوجئت برفضه الفكرة بشدة، مفضلًا البقاء في وظيفته الحالية دون ترقية على أن يتقاعد برتبة أعلى. كان التشبث بالكرسي لديه أقوى من كل المميزات المادية والمعنوية التي تصاحب رتبة الفريق.
بعد عام من هذا الحوار، تم إحالته إلى التقاعد برتبة لواء وفقًا للنظام، دون تحقيق حلمه بالبقاء أطول في منصبه.
• الموقف الثاني:
زميل آخر من دفعتي، بمجرد سماعه خبر قرارات تقاعدنا، اتصل بي مرعوبًا وقال: “الإدارة العامة أصدرت قرارات تقاغدنا”. حاولت تهدئته وأوضحت له أن التقاعد فرصة لاستكمال ما فاتنا مع الأسرة والتفرغ للحياة الخاصة، لكنه لم يقتنع، واعتبر كلامي فلسفة ومثالية.
على النقيض، كنت سعيدًا بقرار التقاعد، حيث رأيته مكافأة على مسيرة عمل امتدت 35 عامًا، وخدمة لوطننا الغالي، انتهت برتبة لواء وتكريم يليق بهذه المسيرة.
ختامًا
استقبلت التقاعد بفخر واعتزاز، حيث تم تكريمنا في قياداتنا بالرياض وجدة. السعيد منا هو من يتقاعد بصحة وعافية، تاركًا خلفه سيرة عطرة وعلاقات طيبة مع الرؤساء والمرؤوسين. فالتقاعد ليس نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة جديدة مليئة بالفرص والراحة.