حوار ـ محمد إبراهيم بربر
حين تقرأ أعمالها، تشعر أنها تكتب بروح تلامس عمق النفس الإنسانية، قادمة من قلب الحكايات والتجارب التي تتشابك بين الواقع والخيال. عبير نعيم أحمد، الكاتبة المصرية المبدعة، التي استطاعت أن تحجز لنفسها مكانًا فريدًا على الساحة الأدبية، تقدم لنا تجربة ثرية تمزج بين الذاتية والانتماء الإنساني. من خلال هذا الحوار، نغوص في أعماق شخصيتها وأفكارها الأدبية، لنتعرف على أسرار إبداعها، ومشاريعها الحالية، ورؤيتها لدور النقد الأدبي، وحلمها الذي لا يزال ينتظر التحليق نحو العالمية.
س: من أين تستلهمين كتاباتك؟ وكيف تعبرين عن أفكارك بشكل يلامس وجدان القارئ؟
ج: أستلهم كتاباتي من توظيف خيال الكاتب الخصب لمحاكاة الواقع، بالإضافة إلى تجاربي الحياتية المليئة بكم معقول من الحكي الثرّي بالتفاصيل، التي أستطيع من خلالها تكوين صورة سردية بلغتي الأدبية الخاصة. عين الكاتب ذات رؤية مختلفة وعميقة عن غيرهم في رصد ما يحدث حولهم، لتوظيفه بطريقة لها خصوصية. وأعبر عن أفكاري بلغة السهل الممتنع، وأغوص في شخصيات أعمالي داخل عمقهم النفسي والإنساني، وهذا ما يجعل الخط السردي الذي أنتهجه يميزني عن غيري، ويضعني في منطقة خاصة بي، بشهادة نقاد كبار كتبوا عن أعمالي.
س: هل ترين الساحة النقدية الآن تخدم الحركة الأدبية؟ وما دور النقاد في ذلك؟
ج: لا أخفيك سرًا أن الساحة النقدية الآن أشبه بسوق عرض وطلب، فما يعرض يُنقد. بمعنى أن الكم الكبير من الأعمال جميعها مطروحة للساحة النقدية، ولا تستطيع هذه الساحة حجب النقد عن أي عمل أدبي مهما كان مستواه. النقد يمارس دوره الطبيعي ووظيفته تجاه الأعمال المعروضة. لكن في مرحلة ما بعد النقد، وحين يصل الجدل الفاصل بين دعم الأعمال الجيدة والرديئة، هنا لا بد من تفعيل دور النقد بمسؤولية كاملة. فالناقد كالطبيب؛ الكتابة لها أمراض، والطبيب أو الناقد لا بد أن يكشف علل الكاتب، مع مصداقية وشفافية تامة بعيدًا عن المجاملات والشللية. لا أنكر وجود نقاد كبار على الساحة يهمهم أولًا وأخيرًا العمل الجيد.
س: روايتك “ثرثرة لا يسمعها العالم” حصلت على جائزة الرواية العربية في مسابقة الدكتور الكبير عبد الرحيم درويش 2024، وسيتم تحويلها إلى مسلسل تلفزيوني قريبًا. كيف ترين تأثير هذا التحول على جمهور الدراما ومتابعي المسلسلات؟
ج: حصول الكاتب على جائزة في حد ذاته تتويج للكاتب على الساحة الثقافية، وهذا حلم يراود كل الأدباء. تحويل الأعمال إلى دراما تلفزيونية أو سينمائية يدعم انتشارًا واسعًا وشهرة للكاتب. عندما شرعت في كتابة هذه الرواية توقعت لها الصعود، وبالصدفة قرأت خبر المسابقة وشاركت ضمن 30 دولة عربية مشاركة، وكان لي حظ وافر بالفوز. الآن يقوم سيناريست مصري كبير بالمعالجة الدرامية للرواية، لتشق طريقها إلى المشاهد قريبًا.
س: باعتبارك عضوًا في اتحاد كتاب مصر والاتحاد الأفرو آسيوي للإبداع، كيف ترين دور هذه المؤسسات في دعم الأدب والمبدعين؟
ج: المؤسسات النشطة تلعب دورًا هامًا في تحريك الحركة الثقافية الراكدة في أي بلد. انتماء الأدباء لهذه الكيانات يجعل للكاتب هدفًا ودورًا يقدمه لمجتمعه وللساحة الثقافية. الدعم الأدبي من خلال تقديم مسابقات كبرى يُثمر عن جيل مبدع جديد وضخ دماء جديدة على الساحة. كما أن دور الدولة في دعم هذه المؤسسات ضروري لتواصل أهدافها المرجوة، وتنظيم ندوات هادفة تسهم في حراك ثقافي واعٍ للمرحلة.
س: شاركتِ في مسابقة أدبية كبيرة مثل مسابقة الكاتب الكبير محمد جبريل للقصة القصيرة 2024. ما أهمية المسابقات الأدبية في مسيرتك وكيف يعكس الفوز فيها على كتاباتك؟
ج: حصد جائزة لعمل لي أعتبره مسؤولية كبيرة تجاه القارئ. عندما حصلت على جائزتين متتاليتين في نفس الشهر، في الرواية العربية والقصة القصيرة، ومنها مسابقة الكاتب محمد جبريل تحت رعاية الاتحاد الأفرو آسيوي للإبداع الذي يرأسه الكاتب والناقد المصري الكبير أ. حاتم عبد الهادي، وحصلت على المركز الأول، جعل ذلك أعمالي تحت المجهر. بالإضافة إلى اتساع جمهور القراء لي من كافة الدول، خاصة بعدما شاركت في مسابقة ضمت دولًا عربية وغير عربية. ترجمة قصتي الفائزة في كتاب مجمع للقائمة القصيرة إلى اللغة الإنجليزية تعد خطوة مميزة لتخرج أعمالي إلى حيز العالمية.
س: في ظل التحديات التي يواجهها الأدب العربي، ما الذي يحتاجه الكاتب الآن للحفاظ على هويته الثقافية؟
ج: لا زال الأدب العربي محاصرًا بتحديات كبرى رغم الجهود المبذولة. التحديات تشمل التقنية وظهور المنصات الإلكترونية التي تنافس الكتاب الورقي، القيود السياسية وحرية الإبداع، سوء الترجمة التي قد تحول النص إلى نص ميت بلا روح. المؤسف أن الأدب العربي لا زال يُقرأ بمنظور استشراقي، مع انطباعات نمطية تربطه بالعنف والنضال السياسي. الحفاظ على هوية الأدب العربي يتطلب ترجمة جيدة للأعمال؛ فاللغة العربية ذات ثراء بلاغي تعد أداة قوية إذا توافرت الترجمات المناسبة.
س: نشر أعمالك في صحف ومجلات عربية وعالمية. كيف تختلف تجربة الكتابة لجمهور عربي متنوع مقارنة بالجمهور المصري؟
ج: تجربتي مع المجلات العربية، خاصة في المملكة العربية السعودية، كانت مميزة. المملكة تقود الآن ثورة ثقافية أدبية لم تحدث من قبل، مع ظهور أدباء لديهم أدوات متمكنة في الكتابة. من أبرز الأسماء التي أتابعها أحمد الشدوي، عبد الله ناجي، سعد الغريبي، محمد خضر، حسين عبيري، وعبد الله الكعيد. أكون متخوفة من الكتابة لغير الجمهور المصري، لذلك أحرص على تقديم لغة عربية سلسة ومشكلات عامة تناسب كل المجتمعات، مع تجنب حصر الأدب في قضايا تخص مجتمعًا واحدًا فقط.
س: كيف تؤثر حياتك الشخصية وتجاربك اليومية على كتاباتك؟ وهل شخصيات أعمالك مستوحاة من أشخاص حقيقيين؟
ج: الكاتب بشر عادي حباه الله بموهبة خاصة، لكنه يتفاعل مع الحياة ويتأثر بها. أردد دائمًا: يولد الإبداع من رحم المعاناة. نشأتي بين والد من جنوب مصر وأم من وجه بحري صنعت تمردًا داخليًا حولته إلى إبداع منذ اللحظة الأولى. شخصيات الكاتب قد تتشابه مع الواقع، وقد يكون الكاتب نفسه بطلًا مستترًا في كل عمل. عين المبدع مثل الكاميرا؛ ترصد الأحداث بدقة وتمعن.
س: هل لديك طقوس خاصة في الكتابة؟ وكيف توازنين بين الكتابة ومتطلبات الحياة اليومية؟
ج/ ليس لدي طقوس صارمة، لكني مزاجية جدًا في الكتابة، وربما لا أكتب سطرًا واحدًا لشهور. أفضل الكتابة في الصباح مع هدوء بسيط حولي، وأقوم بتنظيم وقتي لتناسب الكتابة متطلبات الحياة اليومية. تجاوزت مرحلة تربية الأبناء وأصبحت متفرغة لمشروعي الأدبي.
س: ما هو الحلم الأدبي الأكبر لعبير نعيم أحمد؟ وهل تعملين حاليًا على مشاريع جديدة؟
ج: انتهيت من طباعة روايتي الجديدة لا عذراء في المدينة، الصادرة عن دار ديوان العرب للنشر والترجمة. قدم الناقد د. حسن الحضري دراسة نقدية عنها في مجلة مدارات ثقافية بالمغرب مؤخرًا. ستكون الرواية مطروحة في معرض الكتاب الدولي بمصر مع روايتي الفائزة ثرثرة لا يسمعها العالم. حلمي أن تُترجم أعمالي وأن أجد لها جمهورًا واسعًا عالميًا، وأعكف حاليًا على كتابة رواية جديدة تضاف إلى رصيدي الأدبي.