تشكل التربية ركنًا أساسيًا في صياغة الشخصية وتهذيب السلوك، كما تُعد أداة للإعداد للحياة، مما أكسبها أهمية عبر العصور. لقد مرت التربية بمراحل متعددة ونظريات متنوعة تستهدف بناء الشخصية القادرة على التعايش مع الحياة والتكيف مع متغيراتها. ومع التقدم المذهل في صناعة التقنية وتطور أدواتها ودخولها كعنصر فعّال في حياة الإنسان، أصبح من الضروري طرح تساؤلات حول التربية: هل ما زالت الأساليب والطرائق التقليدية ذات جدوى في عصر تحكم التقنية؟ وكيف يمكن التعامل مع تطورات التقنية والاستفادة منها في البناء التربوي؟
للإجابة عن هذه التساؤلات، لا بد أولًا من الوعي بأكثر وسائل التقنية الحديثة تأثيرًا على السلوك، خاصة لدى الشباب والفتيات. لقد تنوعت البرامج والتطبيقات الإلكترونية، واتخذت أشكالًا مختلفة، ولعل أكثرها تأثيرًا هي وسائل التواصل الاجتماعي كـ”سناب شات”، و”تيك توك”، و”إنستقرام”، إضافة إلى الألعاب الإلكترونية. هذه الوسائل حققت متابعة هائلة تصل إلى الملايين، وتتضمن مؤثرات تربوية قوية. فعلى سبيل المثال، قد تصل مشاهدات مقطع يوتيوب للعبة إلكترونية واحدة إلى ما يفوق عشرة ملايين مشاهدة، مقارنة بـ20 أو 30 طالبًا في فصل دراسي.
هذا الفارق الكبير يوضح مدى التأثير الكبير للتقنية في التشكيل التربوي. لذا، ينبغي للمهتمين بالتربية دراسة وتحليل محتوى تلك البرامج والألعاب ومعرفة جوانبها الإيجابية والسلبية. ومن ثم، يجب تطبيق خطط تربوية تمكّن الأسر من السيطرة على الأبناء والبنات، وتوجيه سلوكهم لتحقيق التربية المتوازنة لهم.
ولا شك أن هذا الأمر يتطلب تضافر جهود المجتمع ومؤسساته التربوية مع الأسر لتقديم برامج تربوية متخصصة، تهدف إلى التعامل مع تحديات التربية في عصر التقنية ودعم الأسر في جهودها التربوية. ومع تزايد إمكانات التقنية وابتكاراتها المذهلة التي قد يصعب السيطرة عليها، يصبح من الضروري حماية الجيل الحاضر والمستقبلي من أضرارها الصحية والنفسية والأخلاقية. التقنية تعتبر موجهًا قويًا يتحكم في سلوك المستخدم، وبالتالي فإن احتمالات التأثر بها شبه مؤكدة، مما يزيد من تعقيد وصعوبة المعاملة التربوية داخل الأسر.
ورغم ذلك، فإن التقنية تحمل جوانب إيجابية إذا تم استخدامها برؤى تربوية دقيقة تلبي الاحتياجات التربوية. وبما أن الوقوف ضد هذه البرامج والتطبيقات ومنعها ليس حلًا ممكنًا، لا سيما أنها أصبحت جزءًا هامًا من حياة الناس، فإنه من المهم البحث عن طرق تربوية تتناسب مع طبيعتها. هذه الطرق يجب أن تحول الأخطار الناجمة عنها إلى فرص للتربية الإيجابية، وحماية الأخلاق، وتحقيق التوازن النفسي والسلوكي للشخصية. بذلك، يمكن للأجيال القادمة أن تبقى عناصر إنتاجية فعّالة في المجتمع.