تَوَصَّل العلماء إلى أن الدماغ يتفاعل مع الفكرة الخيالية مثلما يتفاعل مع الأشياء الواقعية إن هذه الخاصية الدماغية تتيح للفرد الذي يتمرن على التحكُّم بتفكيره أن يتدرب ذهنيًّا على أية مهارة أو قد يتوصل إلى اكتشافٍ قد يكون عظيما وخارقا ويتحقق ذلك بتكرار التفكير بشكل متواصل ومتواتر في المهارة المعينة أو المجال المعين فيستجيب الدماغ في تفاعل محتوياته بشكل غير عادي أو في تكوين دائرة دماغية ذهنية تتعمق بمقدار قوة التفكير وتكراره على نقطة محدَّدة ….
إن الخيال المُجَنَّح حين يتوَهَّج ويستثمر مرونة الدماغ فإنه قد يتوصَّل إلى نتائج خارقة ….
إن بنية الدماغ والشبكات التي تربط بين حلقاته وكل الآليات الدماغية تتفاعل مع نشاط التفكير سواء كان يتعلق بتصورٍ عن الواقع أو كان تصوُّرًا تخيليًّا …..
وعلى سبيل المثال فإن آينشتاين لم يتَوَصَّل إلى النظرية النسبية عن طريق العمل في مختبرات أو الخضوع لمتطلبات أكاديمية وإنما تَوَصَّل إليها منعزلا ومستغرقًا بالتفكير في غرفته بمكتب براءات الاختراع ومثلما يقول بأنه كان دائم التفكير في الكون يريد أن يفهم البنية الكونية وكيف تتفاعل أجزاؤها لم يستخدم أية أدوات أو مختبرات أو آلات باستثناء القلم والورقة كان يستخدم الكتابة لبعض المعادلات الرياضية وبعد أن شحذ دماغه بتكرار التفكير في نفس المجال أشرقت في عقله فكرةُ النسبية ومثلما يقول جيرالد برونر :((إن الوظيفة الخيالية هي سيدة الانتفاضة في الفكر البشري)) وينبِّه الفيلسوف الأمريكي ريتشارد رورتي إلى: ((أن المخيلة هي المَلَكَة الإنسانية المركزية وليس العقل))
ولم يكن آينشتاين استثناء وإنما تَوَصَّل قبْله نيوتن إلى نظرية الجاذبية وهو منعزل في مزرعة أمه في قرية بريطانية بعيدة عن المختبرات والجامعات ففي لحظة من لحظات التجلي والتفكير القوي المستغرق بزغت فكرة الجاذبية التي أسهمت إسهامًا عظيمًا في انفتاح آفاق العلم والعمل المبني على العلم …..
إن الشاعر العظيم حين تتدفق شاعريته لا يعتمد على أي شيء سوى تَوَهُّج خياله ومرونة دماغه وتدَفُّق مواهبه فينجلي ذلك عن قصيدة يتعجَّب الشاعر نفسه كيف خرج منه هذا الإبداع الذي يختلف عن مجمل حياته ……
إن تعامل الدماغ مع الأشياء المتخيَّلة وكأنها من حقائق الواقع تُعْتَبَر أهم نقاط قوته كما أنها أسوأ نقاط ضعفه فهذه المرونة هي التي تُمَكِّن بعض العقول الاستثنائية الخارقة إلى ومضات إبداعية تتغير بها رؤيتنا للعالم لكن هذه المزية هي ذاتها التي تجعل من السهل أن يخرج التفكير من الانتظام التلقائي إلى متاهات الخيال غير المنضبط وتنتج عن ذلك الاضطرابات النفسية ومثلما يؤكد عالم الأعصاب ريتشارد أوكونور في كتابه (إعادة الضبط) حيث يقول: ((إننا نرتبك ونواجه مشكلة في التفرقة بين ما حدث فعلًا وما نتخيَّله)) لذلك فإن الوضع كما يوضح السير جون هاجراف في كتاب (اختراق العقل) بأن تكرار التفكير في أي موضوع يخلق حلقات تكارية وأن هذه:
(( الحلقات التكرارية تتحول إلى معتقدات عميقة)) هكذا نجد أن قابليات الإنسان متنوعة ومرنة ومفتوحة إنها عظيمة لكنها قد تكون خطيرة فهي حسب الظروف تَرْفع للأعلى أو تدفع إلى الحضيض فعلينا أن نتعلم كيف نستثمر قابلياتنا بمهارة وتنظيم واقتدار ..