منذ إطلاق المملكة العربية السعودية رؤيتها الطموحة 2030، وهي تمضي بخطى واثقة نحو مستقبل واعد، محققة إنجازات استثنائية في مختلف القطاعات. وفي كل خطوة تخطوها، تتعرض المملكة لحملات تشويه ممنهجة على مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول عبثًا تصوير مساعيها كابتعاد عن الثوابت الدينية والقيم الأصيلة. إلا أن المملكة، بثباتها المستمد من عمقها التاريخي وقيمها الراسخة، لا تزيدها تلك الحملات إلا إصرارًا، بعون الله تعالى، على المضي في طريقها.
هذه الحملات، رغم شدتها، ليست وليدة اللحظة؛ بل هي امتداد لنابتة خبيثة تستهدف مكانة المملكة كقائدة للعالم الإسلامي. أحدثها كان حول “موسم الرياض”، أحد أكبر الفعاليات الترفيهية ذات البعد الاقتصادي في المنطقة، والذي اجتذب ملايين الزوار من أنحاء العالم، حيث بلغت آخر تقديراته 6 ملايين زائر. استغلت التيارات الحركية هذا الحدث لتوجيه الانتقادات، زاعمة أن المملكة تحيد عن الإسلام. هذه الادعاءات لا تختلف عن محاولات سابقة استهدفت تشويه صورة السعودية، مثل تلك التي افتعلها عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين، عندما زعم زوراً أن الملك عبد العزيز -رحمه الله- حرّض على الإيقاع بحسن البنا. تلك الرواية المغلوطة دُحضت سريعًا بالحجج والوقائع من قبل مواطنه الدكتور محمود عساف، الذي قال: “إن المملكة العربية السعودية استضافت كثيرًا من الإخوان ورعتهم، والفضل في ذلك يرجع إلى ما كان بين الملك عبد العزيز آل سعود وحسن البنا من صلات”، وهي صلات نشأت بسبب الأزمة التي عصفت بالإخوان آنذاك.
إن الادعاءات التي واجهتها المملكة بالأمس لا تختلف عن تلك التي تواجهها اليوم، والهدف واحد: تقويض مكانة المملكة كمرجع ديني وقائد للعالم الإسلامي. من الواضح أن استغلال أحداث مثل “موسم الرياض” يأتي في إطار محاولة تشويه النموذج السعودي الجديد، الذي يُظهر إمكانية الجمع بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستقرار السياسي دون المساس بالثوابت. ما يزعج هذه التيارات المتطرفة ليس الفعاليات الترفيهية في حد ذاتها، بل النموذج السعودي الذي يتحدى قوالبهم الجامدة. هم يخشون أن يُضعف هذا النموذج من جاذبيتهم لدى الشباب الذين يرون في التقدم السعودي نموذجًا يستحق الاحتذاء. هذا النموذج يُظهر أن التغيير يمكن أن يكون متزنًا ومدروسًا، محافظًا على الهوية والقيم.
أي خطوة تتخذها السعودية تُفسر من قبل هذه الجماعات المتشددة كخروج عن الإسلام، ويتم تضخيمها لاستهداف مكانة المملكة، التي تعني للعالم الإسلامي أكثر من مجرد دولة؛ إنها مأرز الإسلام ومحط أنظار المسلمين وقبلتهم التي يتجهون إليها في اليوم والليلة.
المجتمع يراقب هذه الحملات وقد لاحظ ازدواجية المعايير لدى مطلقيها. فهم يصورون فعاليات الترفيه كخطر على الدين، بينما تتجاهلون أزمات بلدانهم التي غرقت في مستنقعات الثورات والفوضى والفقر. الغيرة الدينية المزعومة ليست إلا غطاءً سياسيًا وأيديولوجيًا لاستهداف السعودية. هذه الجماعات تنطلق من دول تعاني الانهيار والأزمات، في محاولة للتأثير على استقرار المملكة، لكن التاريخ يشهد أن السعودية ظلت دائمًا نصيرًا قويًا للقضايا العربية والإسلامية.
ما تشهده المملكة اليوم ليس مجرد انفتاح أو تحديث، بل تحول شامل يحمل رؤية متكاملة لتحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي، ضمن إطار من القيم والثوابت. موسم الرياض ليس خروجًا عن الإسلام كما يزعمون، بل خطوة نحو تنويع الاقتصاد وبناء مستقبل قوي. رؤية المملكة 2030 ليست مشروعًا اقتصاديًا فحسب، بل هي خارطة طريق تُعيد تشكيل حاضر المملكة وتستشرف مستقبلها، لتصبح نموذجًا عالميًا يحتذى به.
المملكة العربية السعودية ليست بحاجة إلى إثبات التزامها بالشريعة أو برعاية مصالح الأمتين العربية والإسلامية؛ فهي الحاضنة للحرمين الشريفين والداعم الأكبر للقضايا الإسلامية والعربية. هذه الحملات المشبوهة لن تنجح في عرقلة المملكة عن تحقيق أهدافها. الشعب السعودي واعٍ، وقيادته مصممة على المضي قدمًا. الحقائق أقوى من الادعاءات، والمملكة تُثبت يومًا بعد يوم أنها تسير على الطريق الصحيح، رغم أنف الحاقدين والمشككين.
باحث في الشريعة والقانون