المقالات

التاريخ لهنّ.. سلوى الهزاع و: توأمة الطبّ وريادة الأعمال

نساء سعوديات صنعن التاريخ هي سلسلة مقالات بدأتها منذ ما يربو على عامين، وبدأـتها بالحديث عن جدتي ووالدتها كنساء ساهمن في صنع تاريخ المرأة السعودية اليوم، وأدين بالفضل فيما أنا عليه اليوم لهنّ بعد الله فأسأله لهن الرحمة والمغفرة. وسأفرد مقال اليوم لشخصية مميزة واستثنائية وقدوة احتذى بها الكثير من عالمات وطبيبات هذه الأرض المباركة. إنّها إحدى أشهر ايقونات الطبّ في المملكة العربيّة السعوديّة إنّها الطبيبة سلوى بنت عبد الله الهزاع من أوائل استشاريات العيون في المملكة، وعضو سابق في مجلس الشورى في أول دورة يعيّن بها نساء (الدورة السادسة). عاشت طفولتها مع والدها المبتعث في الولايات المتحدة الأمريكيّة حتى مرحلة الثانويّة العامّة، ثمّ عادت إلى السعودية ودرست الطب فيها، لتعود مرة أخرى الى الولايات المتحدة الأمريكية أمّا و زوجة ومتدرّبة للحصول على التخصّص الدقيق في الشبكية والوراثة. فحازت على الزمالة مدّة ثلاث سنوات في مستشفى جون هوبكنز. كما حصلت على البورد السعودي في أمراض العيون والزمالة من الكلية الملكيّة في بريطانيا. لتصبح أوّل طبيب تحصل على ثلاث زمالات في التخصّص: المملكة المتحدة البريطانيّة، الولايات المتحدة الأمريكيّة، والزمالة السعوديّة. كما عيّنت أستاذًا إكلينيكيًا في جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكيّة. وفي عام 1997 م عينت البروفسورة سلوى الهزّاع رئيسة لقسم العيون في مستشفى الملك فيصل التخصّصي، ومركز الأبحاث كأوّل سعوديّة، وبقيت في سدّة رئاسة القسم حتى استقالتها وتوجّهها للعمل الخاصّ.

ألّفت البروفيسورة سلوى أبحاثها الطبية في كثير من الجامعات كان من أهمها DUANES التي تخصّصت في أمراض العيون الوراثيّة في المملكة العربيّة السعوديّة، كما اختيرت كاستشاري أوّل في طب العيون وعلم الوراثة منذ عام 1997. كما شغلت منصب مستشار أول لوزير الصحة في السعوديّة. وأدرج اسمها في قائمة الشخصيات المميّزة في الولايات المتحدة الأمريكيّة. كما أدرج اسمها كبير المستشارين لمعالي رئيس مدينه الملك عبد العزيز للعلوم والتقنيّة. عيّنها الملك عبد الله بن عبد العزيز- يرحمه الله- لتشارك وفد بلادها لتحسين صورة البلاد في الولايات المتحدة الأمريكيّة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. عملت البروفيسورة سلوى كعضو تنفيذيّ في المجلس الدوليّ لطب العيون، وهو أعلى مرتبة يصل اليها طبيب العيون عالميًّا. وكانت أصغر الأعضاء سنًّا، وأوّل امرأة من الشرق الأوسط، ولقبت بطبيبة الخمس قارات.

تعتبر الدكتورة سلوى من الرائدات وأكثر الشخصيات النسائيّة البارزة في المملكة العربيّة السعوديّة والعالم
العربيّ كونها من أوائل النساء السعوديّات اللاتي حقّقن نجاحًا دوليًّا وأكاديميًّا وبحثيًّا وسياسيًّا.
تفخر بروفيسورة سلوى أنّها مُكنت كأول امرأة سعودية من أن تحظى بثقة ودعم الأسرة المالكة بعد تعيينها كأوّل طبيبة تدخل القصور الملكيّة في عهد الملك الراحل فهد بن عبد العزيز رحمه الله كطبيبة معالجة له بين (1997-2005) ولقّبت بطبيبة الملوك.
عملت بروفيسورة سلوى أستاذًا مشاركًا في المعهد العريق بمستشفى جونز هوبكنز الطبيّ بالولايات المتحدة الأمريكيّة. كما عيّنت كبير المستشارين لمكتب رئيس مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية كما عينت كبير الاستشاريين في طبّ وجراحة العيون، وكأستاذ إكلينيكيّ متميّز في جامعة المؤسّس الملك عبد العزيز، كما عيّنت منذ 2009 أستاذًا محاضرًا في كلية الطبّ جامعه الفيصل في السعودية وتشرف على 200 – 250 من طلبة الطب سنويًّا. وفي عام 2013م تمّ تعيينها بمرسوم ملكيّ كواحدة من أوائل النساء العضوات في “مجلس الشورى” السعودي في خطوة تاريخيّة سمحت للمرأة لأول مرة أن تكون جزءًا من الهيئة الاستشاريّة الرسميّة في المملكة. وفي عام 2017م مُنحت درجة الدكتوراه الفخريّة في العلوم الإنسانيّة، وهي أعلى وسام شرف من جامعة فرانكلين في سويسرا، كما تمّ تعيينها في عام 2020 بمرسوم ملكي عضوًا في أول “مجلس أمناء” للجامعات في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
وفي لقاء شخصّي تصورت- أنا كاتبة المقال- أن لا شيء جديدًا يمكن أن أجمعه عن واحدة من أبرز الطبيبات السعوديات في كلّ وسائل الإعلام المرئي والمسموع، لكنني فوجئت أنّ لدى بروفيسورة سلوى كاريزما وحماسًا كبيرين للرقيّ بمهمّة طبيب متخصّص في مجاله. كان يشغلها ولايزال وصولها للمواطن البسيط وتقول “كيف أصل لهم بدون تكلف منهم.” ذكرت لي في لقاء معها أنّ حلم الطفولة كان أن تمثّل وطنها الذي تعشقه، لكنّ والدها أخبرها أنّها لن تستطيع ذلك كونها امرأة، ولكنّه -يرحمه الله- قال لها “ادرسي الطبّ وسوف تمثّلين بلدك في العالم” وهو ما كان.

تحدّثت معي بروفيسورة سلوى عن تحدّيات واجهتها في حياتها المهنيّة، لكنّها تجاوزتها بروح إيجابيّة تُدرّس لكلّ امرأة -سعوديّة أو غير سعوديّة- تجد أمامها معوقات تمنعها أو تحدّ من قدراتها. إنّها تبهر كلّ من يسمعها، فهي تنتقل بأفكار أخّاذة وجوهريّة من الطبّ إلى ريادة الأعمال. وفي عام 2019 حصلت على درجة الماجستير في “الإدارة الطبيّة” في “الذكاء الاصطناعي” من جامعة جنوب كاليفورنيا في الولايات المتحدة الأمريكيّة؛ ليكون ذلك الباب الذي ستلج من خلاله لعالم ريادة الأعمال الذي وظّفته لخدمة بلادها. فربطت بين الطب وريادة الأعمال من خلال إنشائها شركة رياديّة تتّجه لتوظيف الذكاء الاصطناعيّ في تشخيص الأمراض المزمنة من خلال تحليل صورة الشبكية. وفي ملتقى الصحة العالميّ الذي اختتم أعماله الأسبوع الماضي الأول في نوفمبر 2024 في العاصمة الرياض قدمت بروفيسورة سلوى الرئيس التنفيذي والمؤسّس لسدم حديثًا مميّزًا عن ثورة في التشخيص الطبيّ للأمراض المزمنة من منظور الذكاء الاصطناعّي التنبؤي والتوليديّ.
كانت عباراتها تعبّر عن سرّ نجاحها فقالت: “طموحي أن أصل لكلّ مريض سكري وبالذّات الناس المحتاجين في المناطق النائية. ”

هذا الوعي الكبير، والحكمة، والتنوّع، والعمق العلميّ، وحب الخير، وتقديم يد العون لمن يحتاج دعمًا هو بعض ممّا يميّز الطبيبة المتبحرة في تخصّص طبّ العيون والتي استطاعت أن تنقل تخصّصها إلى آفاق أكبر خدمة لوطنها وأداء لأمانة العلم إلى أقصى مداها في كلّ المحافل. إنّ إنجازاتها ورؤاها لا يسعها مقالي هذا، ولكن أكاد أجزم أنّه بعد كلّ حديث لـ بروفيسورة سلوى الهزاع نزداد يقينًا أنّنا أمام عالمة سعوديّة بروح وثّابة متجدّدة لها نظرة ثاقبة، وذكاء حادّ، وعزيمة قوية للوصول إلى قمم ترفع فوقها علم بلادها في مجال اختصّت فيه فتميّزت وأبدعت فيه دون غيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى