سُئل غازي القصيبي: خلف كل عظيم امرأة، فمن وراءك؟
فقال: “إذا أردتم الحقيقة، كلهن في الأمام، ونحن نركض خلفهن”.
على الرغم من تعبير غازي الساخر، إلا أنه يحمل الكثير من الرسائل عن قوة المرأة وتأثيرها، بل على قدرتها على التحكم والسلطة، حتى لو من وراء ستار، كما فعلت “سلمى” في روايته الشهيرة سلمى. وفي غيرها من كتاباته، أكد على تفوق المرأة في الثقافة والفن والسياسة، وكان أول وزير عمل يسمح للنساء بالعمل في مجالات عديدة.
إلا أن “جليسي” غازي حذرني كثيرًا بأن السعي للنجاح لا يعني التخلي عن فطرتي الأنثوية، التي هي المصدر الحقيقي لقوة المرأة. بخلاف ما كان يُشاع ويُغرس بأن المرأة القوية المستقلة هي من تخلت عن حقها في ممارسة أنوثتها، بتحمل كل المسؤوليات محاولةً لإثبات ذاتها. كما حذرني من تأثير المعتقدات السائدة والصور النمطية المشاعة حول الرجل، وإن صدقت في بعض الأحيان، وألا أحمل على عاتقي مسؤولية إقناع البشرية بأن المرأة جديرة بالثقة.
والأهم من ذلك كله، حذرني من “حدس الأنثى” الذي لا يخيب، حتى لا ينتهي بي المطاف كما انتهى بروضة في رواية رجل جاء وذهب.. وهي تردد:
“زمان الصمت.. زمان الحزن والشكوى
يا خطوةً ما غدت تقوى على الخطوة
على هم السنين..
وترحل ضحكتي.. تذبل…”
روايتا حكاية حب ورجل جاء وذهب تناولها كثير من الأدباء والنقاد بالتحليل من حيث الحياة والموت والخروج عن العادات. إلا أنني أرى فيهما الكثير من الدروس عن سيكولوجية المرأة والرجل، وعن الصراع الأبدي بين آدم وحواء.
في رواية حكاية حب، التي تُروى من وجهة نظر الرجل “يعقوب العريان”، والرواية الأخرى رجل جاء وذهب لنفس الأحداث، ولكنها تُروى من وجهة نظر المرأة “روضة”. روضة تلك المرأة العربية التي فقدت أباها “طاهر” منذ صغرها، وفقدت معه الخوف اليومي من ضربه لأمها. واجهت روضة الكثير من سلبيات المجتمع حول المرأة وطبيعتها الأنثوية.
حاولت روضة أن تنجح بصورة نمطية مرتين، لكن في كلا المرتين ينهي الموت محاولاتها: مرة مع “برهان”، ومرة مع “هادي”. وقادها القدر لترتضي بالواقع وتتزوج من “منصف”، لكنها اعتقدت أن من الانتصار بعد كل هذه الهزائم أن تفرض رأيها، وأن تتحمل المسؤولية مناصفة مع زوجها. وتعمل في ذلك المتجر الذي تملكه لتؤكد ذاتها وتكون المسيطرة والمتحكمة بمستقبلها. إلا أن فطرتها جعلتها تحمل ابنتها “هديل” للمتجر كل يوم، وتحاول أن توازن بين مهام عملها وبكاء هديل ورضاعتها.
وعلى غفلة، ظهر ذلك الكاتب المحامي الخليجي الثري “يعقوب العريان”، الذي كانت تراه بدويًا يشبه رجال روايته دار السرور، وتقتصر نظرته للمرأة على فتيات “دار السرور” اللاتي يبعن أنفسهن من أجل السلطة والمال.
كان يعقوب رجلاً بدويًا، لكنه لم يكن فظًا ولا زير نساء. رغم نجاحاته والسلطة والمال، إلا أنه كان منهكًا، متعبًا، يبحث عن أكسير الحياة: “امرأة يحبها”.
على الرغم من أن روضة قررت أن تكون هي المتحكمة في العلاقة والمسيطرة عليها، وافقها يعقوب الذي لم يكن أبدًا كما الصورة الذهنية التي كانت تخافها. لم تكن تقبل المال أو الهدايا منه، بل هي من كانت تهديه أثمن الهدايا. إلا أنها وقعت في نفس فخ فتيات “دار السرور”، ليس من أجل المال، وإنما من أجل العاطفة الفطرية الأنثوية.
الروايتان تحكيان، بصورة أدبية فاخرة، اختلاف المرأة والرجل، وكيف لنفس الأحداث أن تُروى من وجهتين مختلفتين: بوضوح رجل وعمق أنثى. وتناولت قدسية أنوثة المرأة، وكيف أن اختلالها أو تطرفها يكون سببًا لارتباك الرجل وضياعه.
كانت نهاية يعقوب المنهك مرضه ثم موته، قبل أن يجيب على أسئلته حول تصرفات روضة وطبيعتها. وكانت نهاية روضة القوية عشقها لرجل بدوي جاء وذهب، وترك امرأة تحاول ألا تبكي، وتردد بصوت لا يسمعه أحد:
“يا خطوةً ما غدت تقوى على الخطوة.. على هم السنين.”
اقتباس:
“الكلمة الأخيرة للرجل.. والكلمة التي بعدها للمرأة.”
— غازي القصيبي