زيارة مهمة بدأها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم الإثنين، إلى المملكة، يلتقي خلالها بسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله-، والتي تتزامن مع ما تشهده المنطقة من تطورات للأوضاع في قطاع غزة، ولبنان، مما يستوجب التشاور وتنسيق الجهود بين قيادتي البلدين بما يعزز أمن واستقرار المنطقة.
وتعكس زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة، تقدير الحكومة الفرنسية لسمو ولي العهد -حفظه الله- ومكانة المملكة السياسية والاقتصادية وثقلها ودورها المحوري على المستوى الدولي، وحرص قيادات الدول الكبرى على التشاور مع القيادة الرشيدة حول مستجدات الأحداث إقليمياً ودولياً.
وتأتي تلك الزيارة، لتؤكد أن سياسة البلدين تهدف إلى الإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام إقليمياً ودولياً، حيث تحرص الجمهورية الفرنسية على شراكتها مع المملكة وتعتبرها حليفاً وثيقاً يلعب دوراً رئيساً في الحفاظ على الأمن والسلم الإقليمي واستقرار المنطقة، لذا يحرص رئيس الجمهورية الفرنسية على التشاور مع سمو ولي العهد –حفظه الله- بشأن القضايا والأزمات الراهنة وسبل معالجتها.
وتمثل زيارة “ماكرون” للمملكة تعزيزاً للنتائج الإيجابية التي حققتها زيارتا سمو ولي العهد -حفظه الله- للجمهورية الفرنسية في شهر يوليو 2022م، وشهر يونيو 2023م، وزيارة رئيس الجمهورية الفرنسية للمملكة في شهر ديسمبر 2021م، وكذلك امتداداً للجهود الرامية لتوسيع نطاق التعاون وتنمية العلاقات بين البلدين.
وخلال الفترة الأخيرة تتشارك المملكة وفرنسا القلق البالغ حيال الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وما يشهده القطاع من حرب وحشية راح ضحيتها أكثر من (150) ألفاً من الشهداء والمصابين من المدنيين الأبرياء نتيجة للاعتداءات الشنيعة لسلطات الاحتلال الإسرائيلي، حيث يدعم البلدان الجهود الرامية للوصول إلى تسوية شاملة وعادلة للقضية الفلسطينية وفقاً لمبدأ حل الدولتين، ومبادرة السلام العربية، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، بما يكفل للشعب الفلسطيني حقه في إقامة دولته المستقلة في حدود عام 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
كما تشهد العلاقات السعودية الفرنسية تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، ويسعى البلدان لرفع مستوى هذه العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية، ويتطلعان لأن تسهم زيارة الرئيس الفرنسي للمملكة في تحقيق ذلك وتطوير العلاقات بين البلدين الصديقين ودفعها نحو آفاق أرحب، بما يعزز ويحقق المصالح المشتركة.
ويحظى الشأن اللبناني باهتمام كبير من المملكة والجمهورية الفرنسية، ويؤكد البلدان حرصهما على أمن واستقرار ووحدة الأراضي اللبنانية، والمحافظة على سيادة لبنان وسلامته الإقليمية، حيث يتفق البلدان على ضرورة تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (1701)، مع تأكيدهما أهمية الدور الذي يقوم به الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) في الحد من مخاطر التصعيد.
وكشفت المواقف الأخيرة تشديد كلا من المملكة وفرنسا على أهمية التطبيق الكامل لاتفاق الطائف والقرارات الدولية ذات الصلة بالشأن اللبناني، وتأييدهما لجهود (المجموعة الخماسية لدعم لبنان)، بما في ذلك تأكيدها المجموعة الحاجة الملحة للقيادة اللبنانية إلى التعجيل في إجراء الانتخابات الرئاسية، وتنفيذ إصلاحات اقتصادية ضرورية من أجل الوفاء بمسؤولياتها تجاه مواطنيها، واستعادة سلطة الحكومة اللبنانية في جميع أنحاء البلاد.
وأسهمت اللجنة الوزارية السعودية الفرنسية بشأن التنمية الثقافية، والبيئية، والسياحية، والبشرية، والاقتصادية، والتراثية، في محافظة العلا، بدور فاعل في تعزيز التعاون بين البلدين في عدد من المجالات، خاصة الثقافية والسياحية، ونجم عن هذ التعاون تنفيذ عدد من الشركات الفرنسية مشروعات في هذين المجالين، منها مشروع شركة (ألستوم) لإنشاء (ترام العلا)، ومشروع شركة (بويغ) لتنفيذ مشروع (منتجع شرعان)، ومشروع شركة (أكور) لتشغيل (9800) غرفة فندقية في المدن الرئيسة بالمملكة.
ويسعى البلدان لتعزيز العلاقات الاقتصادية والاستثمارية وتنمية التبادل التجاري بينهما، من خلال العمل المشترك على تذليل أي تحديات قد تواجه تنمية العلاقات التجارية، وانتظام عقد اجتماعات مجلس الأعمال المشترك، وتكثيف تبادل الزيارات الرسمية والوفود التجارية والاستثمارية، وتشجيع إقامة المشاريع المشتركة، وعقد الفعاليات التجارية والاستثمارية، وقد أثمرت هذه الجهود في بلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين ١٠.٧ مليار دولار في العام 2023م
كما تشهد العلاقات الاستثمارية بين المملكة والجمهورية الفرنسية تطوراً ملحوظاً، حيث بلغ عدد الشركات الفرنسية المستثمرة في المملكة (473) شركة، ونمت استثمارات الشركات والصناديق السعودية في فرنسا في إطار فرص الشراكة التي توفرها (رؤية المملكة 2030) و(رؤية فرنسا 2030) في عدد من القطاعات المستهدفة، بما فيها الطاقة المتجددة، والبنية التحتية، والخدمات المالية، وتقنية المعلومات، والكيماويات، والنقل والطيران، والصناعات المتقدمة والتحويلية، وصناعة الأغذية، والتعليم، وريادة الأعمال، والسياحة، والثقافة.
ويحرص البلدان على القيام بأدوار فاعلة لدعم وتعزيز أمنهما واستقرارهما، وتحقيق الأمن والسلم الدوليين، من خلال تطوير التعاون وبناء شراكات استراتيجية مستدامة في المجال الدفاعي، بما يخدم ويحقق المصالح المشتركة للبلدين، إلى جانب تعزيز مستوى التعاون والتنسيق الأمني القائم بينهما، خاصة في مجالات مكافحة الجرائم بجميع أشكالها، ومكافحة المخدرات، وجرائم الإرهاب والتطرف وتمويلهما، والأمن السيبراني.
ودائما ما يثمن الجانب الفرنسي دور المملكة في دعم توازن أسواق النفط العالمية واستقرارها، وفي موثوقية الإمدادات بصفتها مُصدراً رئيساً للنفط الخام، ويحرص البلدان الصديقان على تعزيز تعاونهما الاستراتيجي في مختلف مجالات الطاقة، بما في ذلك مشروعات الهيدروجين النظيف ونقله وتصديره إلى مراكز الطلب في أوروبا والعالم، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والطاقة المتجددة، بما فيها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وتطوير مشروعاتها.
كما تقدر الجمهورية الفرنسية استضافة المملكة للقمة العربية الإسلامية غير العادية، وقيادتها الجهود المبذولة لخفض التصعيد في فلسطين، وترأسها اللجنة الوزارية العربية الإسلامية بشأن التطورات في غزة، وجهودها المبذولة لإطلاق عملية سياسية جادة وحقيقية لتحقيق السلام الدائم والشامل وفق المرجعيات الدولية المعتمدة، وإطلاق (التحالف الدولي لتنفيذ حل الدولتين)، الذي استضافت المملكة اجتماعه الأول، بهدف تعزيز العمل الدولي المشترك لتحقيق السلام في المنطقة.
وبكل تأكيد، تتقاطع رؤية البلدين حيال أهمية الالتزام بمبادئ الاتفاقية الإطارية للتغير المناخي، واتفاقية باريس، وضرورة تطوير الاتفاقيات المناخية وتنفيذها بالتركيز على الانبعاثات وليس على المصادر، ويحظى دور المملكة الريادي في العمل المناخي بإشادة الجانب الفرنسي، بما في ذلك إطلاق (مبادرة السعودية الخضراء) على المستوى الوطني، و(مبادرة الشرق الأوسط الأخضر) على المستوى الإقليمي والعالمي، ويؤكد البلدان أهمية التعاون الدولي والعمل المشترك في المنصات الدولية، ومن ذلك (المنتدى الوزاري للطاقة النظيفة)، و(مبادرة مهمة الابتكار)، و(مجموعة صناديق الثروة السيادية، الكوكب الواحد).