المقالات

أم عجلان.. نساء سعوديّات صنعن تاريخ العمل التطوعي

السيدة لولوة عبد الله الزامل «أم عجلان» _حفظها الله_ من رواد العمل الخيريّ في المنطقة الشرقيّة المشرقة بأعمال الخير والبرّ في معظم جنباتها، أمضت معظم أيام شبابها إلى عهد قريب، متطوّعة في جمعية فتاة الخليج التي؛ دعمت وماتزال الفقراء والمحتاجين بكلّ الطرق لحفظ كرامتهم. مَن منّا لم يسمع بهذه الجمعية التي تستحقّ أن يفرد لها مقالات.
تأسست الجمعيّة عام 1388هـ / 1968م من قبل سيدات المجتمع في مدينة الخبر ممن كان لديهنّ رؤية طموحة، وروح وطنية، ورسالة سامية، وقد وضعت الجمعية نصب عينيها -منذ تأسيسها- المرأة السعودية وأسرتها، فكانتا هدفًا، صيغت لأجله خطط واضحة بمعايير عالية الجودة، تُحقّق قيم التنمية الاجتماعيّة في محافظة الخبر وتوابعها.
وكان ممن ساهم في نجاحها واستمرارها امرأة عظيمة بكلّ ما تحمله الكلمة من معنى، إنّها أم عجلان العجلان التي استمرت متطوّعة في الجمعيّة منذ تأسيسها وحتى عهد قريب. كان من منهج الجمعية دعم ذوي الحاجة وتعليمهم صنعة في أيديهم، وتوظيف أبناء المحتاجات في الجمعية ما أمكن.
ثمّ أُسّس في جمعية فتاة الخليج بوتيكًا تمّ تسميته باسمها وفاء لها، حيث أطلقت عليه مؤسّسات الجمعية “بوتيك لولوة الزامل” يقوم ببيع أشياء متنوعة من ماركات عالميّة بأسعار في متناول الجميع، وكُتب له القبول والانتشار عبر حساب Instagram فوصلت خدماته لكلّ مناطق المملكة ودول الخليج العربي، ويعود الريع لجمعية فتاة الخليج. كما يعرض في عدة معارض في العاصمة الرياض من إنتاج سيدات الجمعية، ولهنّ مشاركات أخرى في معارض خيرية مختلفة.
عرف عن أم عجلان تواضعها الجمّ الذي أوصلها لكلّ فئات المجتمع من الفقراء والمحتاجين، حتى من نساء ورجال الأعمال المشهورين وأصحاب السموّ، فهي إنسانة بسيطة وعمليّة مرحة تحبّ الجميع، لا تفرّق بين غنيّ وفقير أبدًا. إذا رأت جمعًا من الأهل والأصدقاء كان دعاؤها دائما “يا الله جمع الجنّة”. وتذكر إحدى قريباتها أنّها تعلّمت منها أشياء كثير؛ تعلّمت منها أنّ قيمة الإنسان فيما يعطي وينفق، وفي الأثر الذي يتركه بين الناس، فهذه هي الثروة الحقيقية. لا في مظهره.
عرف عن أم عجلان حبّها للوطن وولاءها إليه، وقد نُقل عنها قولها لإخوانها وأولادها: “هذا الوطن مسؤوليتكم، ليس هو فقط المسؤول عنكم.” وإذا سئل أحد إخوانها ما سرّ ّنجاح شركتكم؟ كان يقول “أنه الأخوات ودعمهم للجمعيات الخيرية ومساعدتنا في أن نضع بصمة في العمل التطوعي كعائلة سواء في المنطقة الشرقية أو الرياض” ويذكر منهنّ السيدة لولوة الزامل فهي وأخواتها لهم بصمة في الجمعيات الخيرية فهم عائلة عرف عنهم حبهم للعمل التطوعي جعله الله في ميزان حسناتهم.
كانت من حرصها على مظهر مدينتها الجميل أنّها لو رأت مرفقًا ما بحال غير جيد، سارعت للحديث مع المسؤولين عنه فورًا لإصلاحه، فكانت عينها المحبّة سهمًا من سهام النقد البنّاء لتعديل وتحسين ما حولها. كلّ مَن بالمنطقة الشرقيّة يعلم أنّ أم عجلان لا تعمل لنفسها بل لمجتمعها ووطنها، لجماله وقوته الماديّة والمعنويّة، حتى وصل صدى حبّها وتفانيها في العمل الخيريّ التطوعيّ إلى كلّ من حولها، وعلى وجه الخصوص سمو الأميرة عبير بنت فيصل تركي الأمين العام لجائزة حصاد المجتمع للعمل الخيري، فكان أن رشّحت لنيل جائزة العمل التطوعيّ على مستوى المنطقة الشرقيّة، ونالتها، وكُرّمت السيدة لولوة الزامل أول تكريم لها، و تسلّمت الجائزة سمو الأميرة عبير حرم سمو أمير المنطقة الشرقيّة صاحب السمو الملكيّ الأمير سعود بن نايف.
كان تعامل أم عجلان راقيًا مع من يعملون في خدمتها، وقد لا يكون هذا الأمر مهمّا لكثير من الناس، لكن بالنسبة لها كان في غاية الأهمية، إذ كانت حريصة على أداء حقوقهن المترتبة عليها، ورعايتهن صحيّا ونفسيًّا، وهذا يدلّ على رقّة قلبها، واتّباعها لسنّة المصطفى ﷺ الذي لم ينهر عاملا قطّ.
وأمّا صلتها لأرحامها فهي من الحافظات للودّ مع كلّ ذي رحم، نقلت لمن حولها حبّ الكرم وحبّ النصيحة. فليس الكرم عطاء ماديًّا فحسب، بل هناك كرم الوقت، وكرم المعرفة، وكرم التحمّل والصبر والاستماع، وكرم التغاضي والعفو. عُرف عنها نفورها من الإسراف فلا تحبّ المظاهر، بل كانت دائما تدعو بنات أسرتها لترك التظاهر والإسراف، ‎ بالمقابل كانت تحبّ إظهار الامتنان والتقدير للآخرين في كلّ فرصة سانحة، وكانت ممّن لا يذكر الناس إلّا بالخير، وتحرص دومًا على أن يكون هناك ثناء على الغائبين، وعلى أن تسعد الناس من حولها، بل وتعلّمهم أن القيمة الحقيقيّة والأهم للإنسان تكون في قلب أسعده، وخاطر جبره، فرحة نشرها.
‎‎هذا النموذج من نساء الوطن الخالدات بذكرهنّ الحسن يتكرّر في كلّ زاوية من زوايا الوطن العظيم، نساء بذلن كلّ ما في وسعهن ّلفعل الخير وتغيير واقع أسر كثيرة، كان بإمكان أم عجلان أن تكتفي بحياة مريحة، لكنّ نفسها الطيبة كانت توّاقة لما عند الله، فأبت إلّا أن تقدّم النفع، وتمدّ يد العون لمنطقتها. فسطّرت تاريخها الحافل بالولاء والحبّ. فكانت استثنائية تستحقّ تسليط الضوء عليها. دمت أم عجلان بخير ودام الوطن بسعد.

أ.د. أماني خلف الغامدي

جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى